18 Oct
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ "

 








الكاتب : هبة احمد الحجاج


قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ .


وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَهْمَا تَكُنْ لَا بُدَّ أَنْ تَذَوُّقَ الْمَوْتِ، فَلَا يَغْتَرُّ مَخْلُوقٌ بِهَذِهِ الدُّنْيَا، وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ تُعْطُونَ أُجُورَ أَعْمَالِكُمْ كَامِلَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ، فَمَنْ أَبْعَدَهُ اللَّهُ عَنْ النَّارِ، وَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ؛ فَقَدْ نَالَ مَا يَرْجُو مِنْ الْخَيْرِ، وَ نَجَا مِمَّا يَخَافُ مِنْ الشَّرِّ، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلّا مَتَاعٌ زَائِلٌ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إِلّا الْمَخْدُوعُ.



جِنَازَةٌ تِلْوَ جِنَازَةٍ . . وَفَاةٌ بَعْدَ وَفَاةٍ .. وَأَخْبَارُ الْمَوْتِ كَالصَّوَاعِقِ ، فُلَانٌ بِحَادِثِ سَيَّارَةٍ ، وَ آخَرَ بِمَرَضٍ ، وَ آخَرَ كَانَ يَمْشِي وَ سَقَطَ ،


كُلُّهُمْ تَرَكُوا الدُّنْيَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ،


وَدَفْنّاهُمْ تَحْتَ التُّرَابِ.



كُلّنَا سَنَصِلُ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَكِنْ خَيْرُنَا مَنْ يَصِلُ قَبْلَ الْمَوْتِ.



قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَيُكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ).



"مِنْ مِنَّا لَمْ يَفْقِدْ عَزِيزٍ أَوْ حَبِيبٍ أَوْ غَالِيّ!؟ "



أُمُّ ، أَبٌ ،أَخٌ ،أُخْتٌ ،ابْنٍ ،أَوْ إِنْسَانٌ قَرِيبٌ ،أَوْ صَدِيقٌ ،أَوْ جَارٍ ،أَوْ زَمِيلٍ .



فَ يَا أَيُهَا الْأَحْيَاءُ..



لَا تَبْكُوا حَسْرَةً عَلَى أَمْوَاتِكُمْ كَثِيرًاً ، هُونُوا عَلَيْكُمْ ،


وَ إِذَا مَا بَاغَتَتْ ذِكْرَيَاتُهُمْ أَلْجَمِيلَةٌ مَشَاعِرِكُمْ ،


وَأَسَرَ الْحَنِينُ إِلَيْهِمْ قُلُوبُكُمْ ،


فَإِنَّ أَقَلَ مَا تَهْدُوهُ إِلَيْهِمْ هُوَ مَا يَنْفَعُهُمْ ،


فَ أَمَدُّوهُمْ بِالْعَوْنِ مِمَّا هُمْ فِيهِ بِالدُّعَاءِ ،



لَاتَّبِحُوا أَصْوَاتَكُمْ كَثِيرًاً بِالنَّحِيبِ وَ تُؤْلِمُوا أَفْئِدَتَكُمْ فَقَدْ انْقَضَتْ أَعْمَارُهُمْ ،



إِلّا أَنَ أَعْمَارَكُمْ مَازَالَتْ تَجْرِي فَالْحَقُوهَا وَ تَدَارِكُوا أَوْقَاتَكُمْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ ،



تَرْفَعُوا عَنْ تَوَافُهِ الْأَخْطَاءَ.. وَ تَجَاوُزًا لِمَنْ حَوْلَكُمْ عَثَرَاتُهِمْ.. تَجَرَّدُوا مِنْ الذُّنُوبِ... أَحْسِنُوا وَ اسْتَحْسِنُوا عَيْشَكُمْ ،



غَدًاً نَمْضِي كَمَا جِئْنَا بِلَا أَهْلٍ ،


فَكُونُوا لِمَنْ حَوْلَكُمْ بِرِيقِ الضَّوْءِ وَ زَيَّنُوا حَيَاتَهُمْ بِالْأَلْوَانِ ،



غَدًا نَمْضِي إِلَى زَمَنٍ بِلَا عُنْوَانٍ ،



فَلَا يَبْقَى لَنَا شَيْءٌ لِنَأْخُذَهُ غَيْرَ طِيبِ الْأَثَرِ ،



فَافْرَحُوا وَ تَمَرَّدُوا عَلَى الْأَحْزَانِ ،



قَدْ يَكُونُ عُمُرُكَ الْبَاقِي أَفْضَلَ مِمَّا فَاتَ وَ الْمَمَاتُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الْحَيَاةِ ، هَلْ سَمِعْتَ كَلَامَ إِيجَابِيٌّ أَجْمَلَ مِنْ هَذَا ، قَالَ تَعَالَى ( وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقَى ). فَالدُّنْيَا قَصِيرَةٌ وَ مَهْمَا بَلَغَ الْإِنْسَانُ فِيهَا مِنْ الْعُمْرِ سَيَمُوتُ لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُفَكِّرَ الْإِنْسَانُ بِالْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ .



( فَلَا تَحْزَنْ عَلَى أَيِّ شَئٍّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ).




فَمِنْ أَسْبَابِ الِابْتِلَاءِ هِيَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاكَ هَلْ أَنْتَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَمْ مُتَعَلِّقٌ بِالدُّنْيَا وَ الَّذِي فِيهَا ، فَلَا يُوجَدُ مُصِيبَةٌ تَحْصُلُ لَكَ إِلّا وَ رَبَّنَا سَيُخْلُفُكَ خَيْرًا بَدَلًاً مِنْهَا ، حَتِّي لَوْ كَانَتْ الْمَوْتُ بِإِنَّكَ سَتَرْجِعُ لِلَّهِ [ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ].



إِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ إِنَّ الْمَوْتَ شَرٌّ، الْحَقِيقَةُ الْوَحِيدَةُ الثَّابِتَةُ هِيَ الْمَوْتُ، هُوَ الْيَقِينُ الْوَحِيدُ..



قِيلَ لِإِعْرَابِي: أَلَا تَخْشِيَ مِمَّا سَتَلْقَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ



قَالَ :وَ مَا الَّذِي سَأَلْقَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ،



قِيلَ لَهُ :سَتُلْقِي اللَّهَ



قَالَ:وَ هَلْ وَجَدْنَا مِنْ اللَّهِ إِلّا كُلَّ خَيْرٍ حَتَّى نَخْشَى لِقَاءَهُ!!!



.. لَا تَغْتَرُّ بِنِعْمَةٍ وَلَا تَعْتَرِضُ عَلَى حِرْمَانٍ فَعَدَلَ اللَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ، وَهُوَ عَادِلٌ دَائِمًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَ رَحْمَتُهُ سَابِغَةٌ فِي كُلِّ مَا يَجْرِيهِ مِنْ مَقَادِيرَ.



د. مُصْطَفَى مَحْمُودٍ .. رَحِمَهُ اللَّهُ



مِنْ كِتَابِ " نُقْطَةُ الْغَلَيَانِ ".



كُلُّ مَقَادِيرِ اللَّهِ خَيْرٌ وَإِنْ أَحْزَنْتُكَ.



ذَاتِ يَوْمٍ قَرَأْتُ قِصَّةً وَأَعْجَبَنِي كَثِيرًا مَغْزَى تِلْكَ الْقِصَّةِ أَلَا وَهِيَ :- عِنْدَمَا يُحَاوِلُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَثْنَاءَ هُرُوبِهِ يَسِيرُ فِي قَضَاءِ اللَّهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ .



إِلَيْكُمْ الْقِصَّةِ :-



مِلْيُونِيرْ أُودِعَ فِي سِجْنٍ عَلَى جَزِيرَةٍ نَائِيَةٍ تَمْهِيدًاً لِإِعْدَامِهِ ، وَ لِأَنَّهُ مِلْيُونِيرُ فَقَدْ قَرَّرَ رَشْوَةَ حَارِسِ السِّجْنِ لِتَهْرِيبِهِ مِنْ جَزِيرَةِ السِّجْنِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ وَأَيِّ ثَمَنٍ ..



فَأَخْبَرَهُ الْحَارِسُ بِأَنَّ الْحِرَاسَةَ مُشَدَّدَةٌ جِدًّاً وَ أَنَّهُ لَا يُغَادِرُ الْجَزِيرَةَ أَحَدٌ إِلّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ .. الْمَوْتُ !!



وَلَكِنَّ إِغْرَاءَ الْمَلَايِينِ الْمَوْعُودَةِ جَعَلَ الْحَارِسِ يَبْتَدِعُ طَرِيقَةً غَرِيبَةً لِلْهَرَبِ وَ أَخْبَرَ بِهَا الْمِلْيُونِيرُ وَهِيَ كَالتَّالِي : " اسْمَعْ الشَّيْءَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جَزِيرَةِ السِّجْنِ بِلَا حِرَاسَةٍ هِيَ تَوَابِيتُ الْمَوْتَى .. يَضَعُونَهَا عَلَى سَفِينَةٍ وَ تُنْقَلُ مَعَ بَعْضِ الْحُرَّاسِ إِلَى الْيَابِسَةِ لِيَتِمَّ دَفْنُهَا بِالْمَقَابِرِ بِسُرْعَةٍ مَعَ بَعْضِ الطُّقُوسِ الْبَسِيطَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ .



التَّوَابِيتُ تَنْقُلُ يَوْمِيًّاً عِنْدَ الْعَاشِرَةِ صَبَاحًاً فِي حَالِ وُجُودِ مَوْتًى وَ الْحَلُّ الْوَحِيدُ هُوَ أَنْ تُلْقِيَ بِنَفْسِكَ فِي أَحَدِ التَّوَابِيتِ مَعَ الْمَيِّتِ الَّذِي بِالدَّاخِلِ وَحِينَ تَصِلُ لِلْيَابِسَةِ وَيَتِمُّ دَفْنُ التَّابُوتِ سَآخُذُ هَذَا الْيَوْمَ إِجَازَةً طَارِئَةً وَ آتِي بَعْدَ نِصْفِ سَاعَةٍ لِإِخْرَاجِكَ وَ بَعْدَهَا تُعْطِينِي مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ وَ أَرْجِعُ أَنَا لِلسِّجْنِ وَ تَخْتَفِي أَنْتَ وَ سَيَظَلُّ اخْتِفَاؤُكَ لُغْزًاً وَ هَذَا لَنْ يَهُمَّ كُلِينَا .. مَارَأْيكَ ؟! ..


فَكّرَ الْمِلْيُونِيرْ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خُطَّةٍ مَجْنُونَةٍ وَ لَكِنَّهَا تَبْقَى أَفْضَلَ مِنْ الْإِعْدَامِ .. الْمُهِمُّ أَنَّهُ وَافَقَ ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَتَسَلَّلَ لِدَارِ التَّوَابِيتِ وَ يَرْمِيَ نَفْسَهُ بِأَوَّلِ تَابُوتٍ مِنْ عَلَى الْيَسَارِ .. هَذَا إِنْ كَانَ مَحْظُوظًاً وَ حَدَثَتْ حَالَةُ وَفَاةٍ ..



فِي الْيَوْمِ التَّالِي مَعَ فُسْحَةِ الْمَسَاجِينِ الِاعْتِيَادِيَّةِ تَسَلَّلَ الْمِلْيُونِيرُ لِدَارِ التَّوَابِيتِ فَوَجَدَ تَابُوتِينْ ، فِي الْبِدَايَةِ أَصَابَهُ الْهَلَعُ مِنْ فِكْرَةِ الرُّقُودِ مَعَ مَيِّتٍ فِي التَّابُوتِ وَلَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى تَنْتَصِرُ غَرِيزَةَ الْبَقَاءِ فَفَتَحَ التَّابُوتَ وَهُوَ مُغْمِضًاً عَيْنَيْهِ حَتَّى لَا يُصَابَ بِالرُّعْبِ وَ رَمَى بِنَفْسِهِ فَوْقَ الْمَيِّتِ الَّذِي بِالدَّاخِلِ وَ انْتَظَرَ حَتَّى سَمِعَ صَوْتَ الْحُرَّاسِ يَهْمُونَ بِنَقْلِ التَّوَابِيتِ لِسَطْحِ السَّفِينَةِ .. بَدَأَ يَسْتَشْعِرُ الِانْتِقَالَ خُطْوَةً بِخُطْوَةٍ ، رُفْعٍ لِلسَّفِينَةِ وَأَحَسَّ بِحَرَكَتِهَا فَوْقَ الْمَاءِ وَاشْتَمَّ رَائِحَةَ الْبَحْرِ .. حَتَّى وَصَلُوا لِلْيَابِسَةِ وَأَنْزَلَ الْحُرَّاسُ التَّابُوتَ وَسَمِعَ تَعْلِيقَ أَحَدِهِمْ عَنْ الثِّقَلِ الْغَرِيبِ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَشَعَرَ بِخَوْفٍ وَتَوَتُّرٍ .. وَتَلَاشَى هَذَا التَّوَتُّرُ عِنْدَمَا سَمِعَ حَارِسًاً آخَرَ يَسْخَرُ مِنْ الْمَسَاجِينِ ذَوِي السُّمْنَةِ الْمُفْرِطَةِ ..فَارْتَاحَ قَلِيلًاً ..



هَا هُوَ الْآنَ يَشْعُرُ بِنُزُولِ التَّابُوتِ إِلَى الْحُفْرَةِ وَ صَوْتُ الرِّمَالِ تَتَبَعْثَرُ عَلَى غِطَائِهِ وَ ثَرْثَرَةِ الْحُرَّاسِ بَدَأَتْ تُخَفَتْ شَيْئًاً فَشَيْئًاً .. وَهَاهُو الْآنَ مَدْفُونٌ عَلَى عُمْقِ ثَلَاثَةِ أَمْتَارٍ مَعَ جُثَّةِ رَجُلٍ غَرِيبٍ وَ ظَلَامٍ حَالِكٍ وَ التَّنَفُّسُ يُصْبِحُ أَصْعَبَ مَعَ كُلِّ دَقِيقَةٍ تَمْرٍ ..



لَابَأْسِ ..هُوَ لَا يَثِقُ بِذَلِكَ الْحَارِسِ وَلَكِنْ يَثِقُ بِحُبِّهِ لِلْمَلَايِينِ الْمَوْعُودَةِ .



مُؤَكَّدٌ أَنَّهُ سَيَأْتِي .. انْتَظَرَ تَمَلْمُلَ ، بَدَأَ التَّنَفُّسُ يَتَسَارَعُ وَ يَضِيقُ ..



الْحَرَارَةُ خَانِقَةٌ .. لَابَأَسْ عَشَرَةَ دَقَائِقَ تَقْرِيبًاً وَ بَعْدَهَا سَيَتَنَفَّسُ الْحُرِّيَّةُ وَ يَرَى النُّورَ مَرَّةً أُخْرَى .. بَدَأَ يَسْعُلُ وَ مَرَّتْ ١٠ دَقَائِقَ أُخْرَى .. الْأُكْسُجِينَ عَلَى وَشْكِ الِانْتِهَاءِ .. وَذَلِكَ الْحَارِسُ لَمْ يَأْتِي بَعْدُ ..



سَمِعَ صَوْتٌ بَعِيدٌ جِدًّاً .. تَسَارَعَ نَبْضُهُ لَا بُدَّ أَنَّهُ الْحَارِسُ ... أَخِيرًاً .!



لَكِنَّ الصَّوْتَ تَلَاشَى .. شِعْرَ بِنَوْبَةٍ مِنْ الْهِسْتِيرْيَا تَجْتَاحُهُ .. تُرَى هَلْ تَحَرَّكَتْ الْجُثَّةُ !! صُوَرٌ لَهُ خَيَالُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَبْتَسِمُ بِسُخْرِيَةٍ ..! تَذَكُرُ أَنَّهُ يَمْتَلِكُ كِبْرِيتٍ فِي جَيْبِهِ .. أَخْرَجَ الْكِبْرِيتَ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ سَاعَةِ يَدِهِ لَا بُدَّ أَنَّهُ لَا زَالَ هُنَاكَ وَقْتٌ ! أَشْعَلَ عُودَ كِبْرِيتٍ وَ خَرَجَ بَعْضُ النُّورِ رَغْمَ قِلَّةِ الْأُكْسُجِينِ ، قُرّبَ الشُّعْلَةِ مِنْ السَّاعَةِ .. لَقَدْ مَرَّتْ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ وَ أَرْبَعِينَ دَقِيقَةً !! هُوَ الْهَلَعُ إِذَاً .. خَطَرَ لَهُ أَنْ يَرَى وَجْهَ الْمَيِّتِ !



إِلْتَفَتْ بِرُعْبٍ وَقُرّبِ الشُّعْلَةِ ! لِيَرَى آخِرَ مَا كَانَ يَتَوَقَّعُهُ فِي الْحَيَاةِ !! .. وَجْهُ الْحَارِسِ ذَاتِهِ إِنَّهُ هُوَ الْمَيِّتُ .



السّؤَالُ الَّذِي تَسْبِقُهُ إِجَابَتُهُ: هَلْ يَقِفُ أَمَامَ الْمَوْتِ أَحَدٌ؟ هَلْ يَدْفَعُهُ أَحَدٌ؟ هَلْ يُبَدِّلُ وُقُوعَهُ أَحَدٌ؟ إِنّ الْمَوْتَ فَجْأَةٌ لَا يُمْكِنُ -بِأَيّ حَالٍ- تَفَادِيهَا، وَلَادْفَعُهَا، وَلَا تَبْدِيلُهَا، فَإِمّا أَنْ تَحْيَا كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَتَبْلُغَ خَيْرَ عُقْبَى، أَوْ أَنْ تَحْيَا كَمَا تُحِبُّ، وَتَنْتَهِي إِلَى شَرِّ مَرْدًى.



كُنْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي يَجْعَلُكَ سَعِيدًاً... لِتُشْعُرَ أَنّكَ مَا زِلْتَ حَيًّاً .. فَلَا تَخْشَى الْمَوْتَ بَلْ اخْشَى الْحَيَاةَ بِلَا حَيَاةٍ ..



"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، إِلّا أَنّ الْحَيَاةَ لَا تَتَذَوَّقُهَا كُلُّ الْأَنْفُسِ".



جَلَالُ الدِّينِ الرُّومِيُّ





تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.