الأَب … العمُود الفَقري لِلحَياة
هبة أحمد الحجاج
بدايةً قد تتساءل أيها القارئ/ة أنه اليوم هو يومُ عيد الأم ، نعم صحيح ، ولكن لماذا لم تتساءل أيضاً لماذا لا يُوجد يومٌ للأب مثلاً كيومِ الأم ، الأب لا يقلُ أهميةً عن دور الأم ، فهُما في الحياةِ شخصين مُتكاملين ، يقوم كلٌ منهما بدورهِ على أكملِ وجه حتى يُؤسسان مؤسسةً عائليةً متكاملة من جميعِ نواحي الحياة .
فالحياةُ هي عبارة عن جبلٍ عظيم فلا بُد أن يُمسك الأب طرفًا والأم الطرف الآخر ، حتى تَستوي الحياة ، أما إذا تركَ أحدُهما طرف ، فإنهُ بالتأكيد سيتحملُ الطرف الآخر حملًا لا يقوى على حَمله .
لا يُمكن لأحد أن ينكرَ دور الأب في حياته ، أَتذكر عندما كُنتَ صغيرًا تجلسُ بجانبِ المدفأة تنظرُ تارةً إلى الساعة التي في أعلى الحائط وتارةً أُخرى على النافذة ، تنتظرُ قدوم أبيك ، ويأتي هو بأكياسٍ في يديه ، يوجدُ فيها مالذَ وطاب لكَ وتصبح تقفزُ هنا وهناكَ فرحًا بقدومِ والدك وقدومِ أغراضك أيضاً هههههه ، أَتعلم أن ابتسامتكَ التي على شفتيك وأنتَ تستقبل أبيك ، تُنسي أبيك ماذا فعلَ معهُ العالم من تذمرٍ وقسوة معاملة وقد يكون تعرض لمُعاملة لا تليقُ به ولكنه تذكرَ أنهُ في نهايةِ اليوم سيأتي ويرى هذهِ الابتسامة على وجهكَ عندما يأتي إليكَ مُحملًا باحتياجاتِك، وقالَ في نفسهِ ” لا يهم المهم أطفالي ولا يهم بعد ذلك” .
وأنت الآن عندما تجلسُ بجانبِ أبيك وتنظر إليه، تذكر بين كلِ تجعيدة وتجعيدة من وجهِ أبيك قصة نعيم عشته أنتَ وإخوتك.
عندما قررتْ أن تكونَ البطلَ الشُجاع القوي مثل أبيك وهذا هُو الوضع الطبيعي لأن الأطفال كُلهم قاطبة ينظرون إلى أبيهم أنهُ بطل ، وقررتَ أن تُشاهد فيلماً مُرعباً أنت وأصدقائِك في السينما ، وعندما خرجتَ أصبحتَ تُمثل أمام أصدِقائك أنكَ لستَ خائفاً وأنكَ إذا حصلَ وخرج ذلك الوحش ، أباكَ سيهزمه ، وعِندما وصلتَ البيت ركضت مُهرولاً إلى غرفةِ أبيك ونمتَ بجانبه ، أتعلم لماذا ؟! لأنهُ ليسَ هُناك مكان ينام فيهِ الطفل بأمانٍ مثل غرفة أبيه.
عندما نحجتَ في الصف الأول، وعندما نجحتَ في الثانوية العامة ، وعندما تخرجتَ من الجامعة ، كل مراحل نجاحِكَ الدِراسية هل شعرتَ أنَ والدكَ هو الذي تَخرج وليسَ أنت ؟ ألمْ تنظُر إلى والدكَ وهو ينظر إليكَ بكل فخرٍ واعتزاز ، وكأنهُ يقول لك ” صحيح أنا ما درست ولا معي شهادة بس والله يا ابني كأنه أنا الي متخرج ” ، الأب هو الشخصُ الوحيد الذي لا يحسدُ ابنه على موهبته.
لا يُوجد إنسان بلا مشاكل ولا تُوجد حياة بلا عقبات، منْ مِنا لم يتعرض للمشاكل في حَياته؟ ومنْ منا لم يَقع في فَخ الخطأ والذنب ؟ لكن منْ الذي كان يمدُ يده إليكَ عندما كنتَ في تلك الحُفرة ” المشاكل والعقبات ” بالتأكيد أباك ، سيكون هو الذي سَيمدُ يدَ العون والمُساعدة حتى وإن لم تَطلب ذلك ، وبعدَ أن يُخرجك من تلكَ الحُفرة سيقومُ بتعليمكَ وإعطاءكَ الدُروس من تلكَ المشاكل ، منْ منا لم يسمع منْ أبيه تلكَ الكلمات والجُمل ” لا ذوقَ للحياةِ بلا مشاكل ، ولا قِيمة لها بلا مَتاعب، ولا أثرَ لها بلا صُعوبات كما أن النهارَ لا ذَوق له بلا ليل، والفرح بلا ألم، والنجاح بلا تَضحية” وفي بعضِ الأحيان سيقومُ بتوبيخك ، سيزأرُ كالأسدِ لكنهُ لا يلتهم صغاره. تأنيب الأبِ دواءٌ حلو ، تأنيبه يتجاوز مرارته.
أيتُها الفتاة عندما تتزوجين فإنَ عليكِ الإدراكَ أن حياتكِ بعد الزواج لن تعُود ملكاً لكِ بالكامل كما في السابق، بل أصبحتِ جُزءاً من حياةِ الأسرة، وأنتِ مُطالبة بتأدية العديد منَ الواجبات تجاه زوجك وأبنائك، ويجبُ أن تتوقفي عن الحديث بصيغةِ المُفرد، وتتحدثي بصيغة الجماعة تعبيراً عن انتمائك لأُسرةٍ جديدة ، وعندما تُقرري الإنجاب لا تُوجد عبارات تصفُ حجمَ السعادة التي يشعرُ بها الرجل أو المرأة عندما يكونانِ على وشك استقبال مولودٍ جديد، إذ يحملُ الشعور بالأُمومة أو الأُبوة لأولِ مرة فرحةً لا مثيلَ لها، فالضيفُ الجديد سيُدخلُ البهجةَ على حياةِ والديه مهما كان جِنسه وسيُصبح لهُ تأثيرٌ كبيرٌ على كافةِ أفراد العائلة ، ولكن ستكُونان محظُوظين جداً عندما يكون المولود أُنثى.
أغلبُ الأقاويل تقول: إذا كانتْ أُنثى ستكُون مدللة أبيها، من المُؤكد أنَ أغلب الآباء يُوجد بينهم وبين بناتهم رابطٌ خاصٌ جدًا ، وعادةً ما تتعلقُ البنت بوالدها أكثرَ من أي إنسانٍ آخر .ويُقال في العديدِ من الثقافات أن البنت تكون ” أميرةَ أبيها ” وأنتِ عندما تُشاهدي تلك الطفلة التي هي قطعةً من قلبكِ تركض إلى أبيها ويلاعبها وتلاعِبه ، ويغمُرها بدلالهِ ، بالتأكيد ستتذكري أباكِ وتقولي في نفسك ” أعشقُ رجـلاً جَعَلني فَتاةَ مُدَللة رَجُلًا لا مَثيل لَه، هُو مَصدر ثِقَتي، وكلُ شَيء بِحَياتي، فَعفواً يا رِجَال العَالم لَستم كأبِي”.
وسواءً كُنتِ مُتزوجةً منذ 6 أشهر أو 6 سنوات، فإن الخِلافات الزَوجية أمرٌ لا بُد منه، بلْ إنها في كثيرٍ من الحالات تَكون دليلاً على صِحة العلاقة بين الزوجين. فالاختلافُ طبيعةٌ بشرية، الحياةُ الزوجية الناجحة ليست تلكَ التي تَخلو من الخلافاتِ والشجارات، بل هي التي يكونُ فيها الزوجان على قدرٍ عالٍ من التَفاهم والصراحة، وتقبل الاختلافات بين كلٌ مِنهما، ولكن إنْ حدث خِلاف لا قدرَ الله تشعُري وأن الدنيا ضاقتْ بوسعها عليكِ وأصبحَ بيتك هذا الذي تَجلسينَ فيه الآن ليسَ بيتك ، أصبحَ غريبًا عنكِ وكأنكِ تُريدينَ أن تهربي من كُل الدُنيا ، منْ كل العالم وعندما تُقرري ذلك بينكِ وبين نفسكِ تصبحين تُهددي : سأذهبُ إلى أبي وكأنكِ تقولي ” عندما احتجتُ إلى وطنٍ يحميني وصدرٍ يأويني، ناديتُ بها أبي” ومع أنكِ قد لا تذهبي ولكنها كلمةٌ مُتعارفٌ عليها عندَ النساءِ في الزعل والحُزن والضيق ” سأذهب إلى أبي ” وكأن الأب الحصن المنيع والحُضن الدافىء ، وكأنكِ تريد أن تهربي من مَسؤولياتِ الحياة وتهربي إلى حُضن أبيكِ وتعودي طفلةً بين ذِراعيه وتقولي لهُ “الأشياءُ الثمينةُ لا تتكرّر مرتين، لذلكَ نحنُ لا نملكُ إلّا أباً واحدًا “.
هُناك من كتبتْ رسالةً إلى أبيها قائلةً ” الرسالةُ الأولى: أبي لم أجد صدراً يَضمني إليه سواك، فأنتَ نبعُ الحنانِ السامي، ونبع الحُب الصافي إنني حقاً لمحظوظة أن وهبني الله أبًا مثلك لذلك سوف أعمل بجد، واجتهاد لرفع رأسك بين الخلائق لتقول هذه هي ابنتي ، أبي أحس السنة تمر ببطء، وعيدك يجيء بالسنة مرة، وأنا أريد كل يوم أن يكون عيدك، أبي أنت من علمني مَعنى الحياة، أنت مَن أمسكت بيدي على دُروبها ، أجدُك معي في ضيقي، أجدُك حولي في فرحي، أجدُك توافقني في رأي حتى لو كُنت على خطأ، فأنت مُعلمي، وحبيبي، فتنصحني إذا أخطأت، وتأخذُ بيدي إذا تعثرت، فتسقيني إذا ضَمئت، وتمسحُ على رأسي إذا أحسنت “.
وهُناك من كتبَ رسالةً إلى أبيه المتوفى قائلاً “
بعدَ رحيل الأب تأتي المواقف برسالةٍ محتواها لا مجال للضعف فقد رحلَ الأعمق حبًا، الأصدق قولًا ، والأكثر خوفًا وحرصًا ، فقدُ الأب لايعلمه إلامن جربه استمتعوا بحياتكم مع آباءكم وقدموا لهم الغالي والرخيص والله إنهم حياة لاتتعوض، رحم الله أبي وأطال الله في عمر آباءكم”.
وأنتَ ماذا ستكتبُ لأبيك ؟! إليكَ القلم .