17 Oct
مَا حَدَا ضَامِنٌ بِكْرًا









 الكاتب : هبة احمد الحجاج 


" وَ عَدَّ بِلَا وَفَاءِ عَدَاوَةٍ بِلَا سَبَبٍ " 



فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ كُنْتُ جَالِسَةً فِي الْمَقْهَى ، أُفَكِّرُ فِي كِتَابَةِ مَقَالٍ جَدِيدٍ ، وَ لَكِنْ لِلْأَسَفِ لَمْ يَكُنْ فِي ذِهْنِي أَيُّ فِكْرَةٍ .


وَأَنَا عَلَى هَذَا الْحَالِ ، سَمِعْتُ صَوْتَ جَرَسٍ هَاتِفِي ، وَ عِنْدَمَا أَجَبْتُ عَلَى الِاتِّصَالِ ،


كَانَ صَوْتُ طِفْلٍ صَغِيرٍ يَتَلَعْثَمَ بِالْكَلِمَاتِ ، كَانَ ابْنُ أُخْتِي ، قَالَ لِي :- خَالَتِي ، كَيْفَ حَالُكَ ؟ أَخْبَارُكَ ؟ ، تَتَذَكَّرِينَ وَعْدَكَ لِي : إِذَا قُمْتَ بِفِعْلِ " الشُّغْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ "سَتَشْتَرِي لِي هَدِيَّةً .


رَدِّدْتْ عَلَى الْفَوْرِ :- نَعَمْ صَحِيحٌ ؛ لَكِنْ لَيْسَ الْيَوْمَ غَدًا . لَدَيَّ الْآنَ عَمَلٌ وَلَمْ أَنْتَهِي مِنْهُ ..لِلَّاسِفِ . 



كَانَتْ إِجَابَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ :- خَالَتِي أَتَعْلَمِينَ مَنْ هُوَ "مَالْكُومْ اكْسْ" ؟


قُلْتُ لَهُ : مَالْكُومْ إِكْسْ، وَ اسْمُهُ عِنْدَ مَوْلِدِهِ: مَالْكُومْ لِيتِلْ، وَ يُعْرَفُ أَيْضًاً بِاسْمِ الْحَاجِّ مَالِكِ الشَّبَّازِ، هُوَ دَاعِيَةٌ إِسْلَامِيٌّ وَ مُدَافِعٌ عَنْ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ ، أَمْرِيكِيٍّ مِنْ أَصْلٍ إِفْرِيقِيٍّ، صَحَّحَ مَسِيرَةَ الْحَرَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي أَمْرِيكَا . 



وَ فُجَاءَةُ شَعَرْتُ أَنَّهُ قَفَزَ مِنْ شِدَّةِ فَرْحَتِهِ بِمَعْرِفَتِي لَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي " أَحْسَنْتِي يَا خَالَتِي ، كُنْتُ مُتَأَكِّدٌ أَنَّكَ تَعْرِفِينَهُ ، لَا عَلَيْنَا ثُمَّ قَالَ :-


إِنْ كُنْتَ سَتَتَوَقَّفُ عَنْ شَيْءٍ ، فَتَوَقَّفُ عَنْ الْكَسَلِ ، وَ تَوَقَّفُ عَنْ اخْتِلَاقِ الْأَعْذَارِ ، وَ تَوَقَّفَ عَنْ انْتِظَارِ الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ.


ثُمَّ أَرْدَفَ قَائِلًا " مَاحِدًا ضَامِنٌ بِكْرًا " ثُمَّ ابْتَسَمَ ابْتِسَامَتَهُ الطُّفُولِيَّةَ وَ أَقْفَلَ الْخَطَّ. 



يَا لَهُ مِنْ طِفْلٍ شَاغِبٍ وَ مُثَقَّفٍ أَيْضًا . 



ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ :- هَذَا اسْمُهُ عِقْدُ الْأَحْلَامِ مُرَصَّعٌ بِالْأَلْمَاسِ. 



اتَّبَعَتُ الصَّوْتَ وَإِذَا أَرَى فَتَاةً وَ شَابٌّ فِي مُقْتَبَلِ الْعُمُرِ يَجْلِسَانِ عَلَى طَاوِلَةٍ وَيَتَبَاحَثَانِ بِأَمْرٍ ، اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا صَفْقَةُ عَمَلٍ ، وَلَكِنْ كَانَ " عَقْدُ الْأَحْلَامِ الْمُرَصَّعُ بِالْأَلْمَاسِ " هَدِيَّةً تَرْضِيهِ لِ " زَوْجَتِهِ/ خَطِيبَتِهِ " . 



ثُمَّ أَخَذَ يَشْرَحُ لَهَا :- 



هَذَا الْعَقْدُ الْفُلَانِيُّ دَوْرَيْنِ ، مُرَصَّعٌ بِكَذَا وَ مُصَاغٌ بِكَذَا ، عِيَارُ كَذَا نِسْبَةُ الْأَلْمَاسِ كَذَا قِيرَاطٌ ، وَزْنُ الذَّهَبِ كَذَا ... 



وَ كَانَتْ هَذِهِ الْفَتَاةُ تَظْهَرُ عَلَيْهَا مَلَامِحُ الذُّبُولِ وَالِانْطِفَاءِ ،


كَالْوَرْدَةِ الَّتِي ذَبِلَتْ مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ . 



وَهُوَ كَذَلِكَ يَشْرَحُ لَهَا عَنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ الثَّمِينِ ،نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَ قَالَتْ " كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ بِجَانِبِي يَوْمَ تَخْرُجِي ، كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ بِجَانِبِي بِالْمَوْقِفِ الْفُلَانِيِّ .. وَ كُنْتُ أَتَمَنَّى ، وَ كُنْتُ أَتَمَنَّى ..". 



ثُمَّ أُبْعَدَتْ بِيَدِهَا " عَقْدَ الْأَحْلَامِ " و قَالَتْ :- فِكْرَةٌ إِنَّكَ تُجِيبُ وَرَدَهُ بِوَقْتِهَا أَحْسَنُ مِنْ إِنَّكَ تُجِيبُ نَجْمَةً مِنَ السَّمَا بَعْدَ مَا الْوَقْتُ يُعْدِي " ، عَلَّقْتَ عَلَى الْمَوْضُوعِ بَيْنِي وَ بَيْنَ نَفْسِي طَبْعًا وَقُلتُ: غَالِبًا مَا يُحَقِّقُ الْمَرْءُ كُلَّ مَا يَتَمَنَّاهُ فِي الْحَيَاةِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ .


هَكَذَا يَقُولُ "مَحْمُودُ السَّعْدَنِي" وَ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ . 



وَمِنْ ثَمَّ لَفَتَ سَمْعِي صَوْتَ ضَحْكَةٍ لَكِنْ كَانَتْ تِلْكَ الضَّحْكَةُ نَابِعَةً مِنْ السُّخْرِيَةِ ، كَانَتْ هَذِهِ الضَّحْكَةُ مِنْ تِلْكَ الْفَتَاةِ الَّتِي تُمْسِكُ بِهَاتِفِهَا وَتَقْرَاءِ الرِّسَالَةِ الَّتِي وَصَلَتْهَا ، ثُمَّ الْتَفَتْ إِلَى صَدِيقَتِهَا وَ قَالَتْ " بِالْأَمْسِ كَانَ عِيدُ مِيلَادِي ، و كُنْتُ عَلَى أَعْصَابِي أَنْتَظِرُ مِنْهُ هَدِيَّةَ ، اتِّصَالٍ ، تَهْنِئَةٍ ،جُمْلَةٍ أَوْ حَتَّى حَرْفٍ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُومْ بِفِعْلٍ أَيِّ شَيْءٍ .


وَ الْيَوْمَ أَرْسِلَ لِي رِسَالَةً يَقُولُ فِيهَا " لِحَبِيبَتِي عِيدَ مِيلَادِ سَعِيدٍ وَكُلَّ عَامٍ أَنْتَ فَرْحَتِي كُلَّ عَامٍ وَأَنْتَ حَبِيبَةُ قَلْبِي كُلَّ عَامٍ وَأَنَّتِي جَنَّةٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كُلَّ عَامٍ وَأَنْتَ حَبِيبَتِي كُلَّ عَامٍ وَأَنْتَ نُورٌ عُيُونِي يَارِبٌ اسْقِي بَاقِيَ عُمُرِهَا فَرَحٌ وَ بَهْجَةٌ وَ ضَحْكَاتٌ لِرُوحِهَا الْجَمِيلَةِ". 



ثُمَّ قَالَتْ لِصَدِيقَتِهَا : اسْمَعِي مَاذَا سَأَرُدُّ عَلَيْهِ " فِكْرَةٌ إِنَّكِ تَقُولُ كَلِمَةً حُلْوَةٌ بِالْوَقْتِ الصَّحِّ أَحْسَنُ مِنْ إِنَّكَ تُجِيبُ قَصِيدَهُ بَعْدَ مَا تَبْرُدُ الْمَشَاعِرَ ". 



وَأَنَا أَقُولُ كَمَا يَقُولُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُطَاوِعٍ " إِنَّ هُنَاكَ دُيُونًا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُسَدِّدَهَا إِذَا تَأَخَّرْنَا عَلَى أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ".



ثُمَّ رَأَيْتُ شَابَّ دَخَلَ مُسْرِعًا إِلَى الْمَقْهَى ، يَنْظُرُ يَمِينًا ثُمَّ شِمَالًا ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى الْأَمَامِ وَمِنْ ثَمَّ إِلَى الْخَلْفِ ، شَعَرْتُ لَوْهْلَةٍ أَضَاعَ شَيْئًا ثَمِينًا وَيَبْحَثُ عَنْهُ ، وَ بَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ رَأَيْتُ نَادِلَ الْمَقْهَى يُعْطِي لَهُ رِسَالَةً مَكْتُوبًا فِيهَا :-


فِكْرَةٌ إِنَّكَ تَجِي دَقِيقَةً وَحْدَةً بِسْ بِالْوَقْتِ الصَّحِّ أَحْسَنُ مِنْ إِنَّكَ تَجِي سَنَةً بَعْدَ مَا يَفُوتُ الْآوِنَ. 



وَ هَكَذَا قَالَ أَيْضًا غَابْرِيِيلْ "أَنْ يَصِلَ الْمَرْءُ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ خَيْرٌ مِنْ تَوْجِيهِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ." 



ثُمَّ جَلَسَ مَلُومًا مُتَحَسِّرًا وَكَأَنَّهُ يُنْدَبُ حَظُّهُ عَلَى مَا فَاتَ. 



سَارَعْتُ أَنَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَشْتَرِيَ هَدِيَّةً لِلطِّفْلِ الصَّغِيرِ ، وَأَنَا ذَاهِبَةٌ قُلْتُ فِي نَفْسِي :- لَا تَأْجُلْ شُغْلَهُ حُلْوَةً وَلَا تَبْخَلْ عَ حَدًّا بِمَشَاعِرِكَ مَاحِدًا ضَامِنٌ بِكْرًا. 



وَ عِنْدَمَا قُدِّمَتْ لَهُ الْهَدِيَّةُ ، قُلْتُ لَهُ :- أَتَعْلَّمُ مَنْ هُوَ نَابِلْيُونَ هِيلٍ؟! 



قَالَ : لَا . 



قُلْتُ لَهُ :- نَابِلْيُونْ هِيلْ كَاتِبٌ أَمْرِيكِيٌّ اشْتُهِرَ بِكُتُبِهِ الَّتِي تَهْتَمُّ بِالتَّنْمِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ يُعْرَفُ خُصُوصًاً بِكِتَابِهِ "فِكْرٌ تُصْبِحُ غَنِيًّاً" الَّذِي أَصْبَحَ عِنْدَ إِصْدَارِهِ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ مَبِيعًاً وَ شَعْبِيَّةً فِي أَمْرِيكَا. 



ابْتَسَمَ ابْتِسَامَتَهُ الطُّفُولِيَّةَ و قَالَ " يَجِبُ أَنْ أَعْرِفَهُ ، فَقَدْ أَلِفَ كِتَابَ " فِكْرْ تُصْبِحُ غَنِيًّا" ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَصْبِحَ غَنِيًّا ". 



ثُمَّ قَالَ : الْمُهِمُّ مَاذَا قَالَ ؟! 



قُلْتُ لَهُ :- لَا تَضِيعُ الْوَقْتَ فِي الِانْتِظَارِ فَالْوَقْتُ الْمُنَاسِبُ لَنْ يَأْتِيَ ، ابْدَأْ مِنْ حَيْثُ تَقِفُ وَ اسْتَعْمِلْ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ أَدَوَاتٍ .. وَ كُلَّمَا تَقَدَّمْتَ فِي طَرِيقِكَ سَتَعْثُرُ عَلَى أَدَوَاتٍ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ مَعَكَ حِينَ بَدَأْتَ. 



ضَحِكَ ذَلِكَ الطِّفْلُ الْمُشَاغِبُ و قَالَ "وَ مِنْكُمْ نَسْتَفِيدُ هَهَهَهَه" .





تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.