قد تَستغربْ من العنوانِ قليلاً ،لأنك في العادةِ قد اعْتَادتْ أُذُانك على سماعِ ” ماذا بعد ” وقد تَجعلكَ هذهِ الجملة تتطلعُ إلى المُستقبل وقد تكونُ أيضاً إيجابية ، لكن في هذه اللحظة أقول لكَ دعكَ قليلاً من هذه الأقاويل والعبارات ، وارجعْ خطوةً إلى الوراء، وتَساءل بكلِ جدية وكأنك تبحثُ عن الكنز للإجابة عن هذا السؤال ” ماذا قبل ” !؟
عندما كنا أطفال ، كان هنالك فيلم كرتوني يُدعى ” سندباد ” كان سندباد يصعدُ على بساطٍ ويُحلق بيهِ إلى السماء .
هذا البِساط السحري يُمكِنُنَا من الإبحار خلال الكون، حيثُما نريد الذهاب، سيهبِطُ البساط على كُلِ شخص ” ماضِيهِ قد تسبب في ما عليهِ حالُه” ما رأيك؟
على رأي المثل ” السكوتُ علامةُ الرضى ” لكِنه ليس بالضرورة أن يكونَ رِضى” لا علينا ، هل أنت مستعدٌ لِرؤيةِ العالم من زوايةٍ أُخرى؟ قد تكونُ زوايةٌ مُظلمة وتتحولُ إلى مُشرقة باستِيعابِ المشكلةِ وعدمِ تِكرار الخطأ .والآن ماذا تشعر ؟ أنا عن نفسي أشعر أن العالم أصبح كالذرة لشدةِ ارتفاعنا عنه ، يااااااه ما أجمل الهواء العليل وكأنه يُداعبُ أجسامنا كما يداعبُ الطيور ، أشعر وكأنني طيرٌ يمتلكُ جناحين يحلقُ على العالمِ بأسره ، أتسمع ؟ صوتُ ضجيجِ وزواميرِ السيارات وأصواتُ البائعين المُتجولين وكأننا في المدينة ، انتظر قليلاً! لا بل نحنُ في المدينةِ فعلاً، ها هو البساطُ السحري يهبطُ رويداً رويداً ، لا تنسى ما قلتُ لك ، سيهبطُ البِساطُ عند كلِ شخصٍ ماضيه تسببَ بما عليه الآن .
أرأيت ذلك الرجل الكهل؟! أَثوابُه رثَّةٌ و أرجُله حافيةٌ و دَمعِهُ يُذْرفُ على خده ، يدُور في الأزقة بين الشوراعِ ويطلبُ من هذا وذاك ” نقود” حتى يدفعَ قوتِ يومه .
قد تُشفقُ عليه ، ويَسوءكَ حاله ومن شدةِ منظرهِ المُحزن قد تتساءل بكلِ غضب ” أين زوجتهِ وأولاده ؟ أين بيته ؟ أين وظيفته؟ ألا يُوجد راتب تقاعد له؟ كيف وصلَ إلى ذلك ؟”
حسناً ، حسناً سأُجيبكَ على كلِ هذه الأسئلة، وماذا كان قبل هذا ، هذا الرجلُ كان والِديّهِ دائماً يُكرِرُون عليهِ هذه الأسطوانةَ على رأيه هو ” ادرس يا بُنَي تعلم ، الشهادةُ سلاحٌ لكَ في المستقبل “، لكنهُ كان مُصرًا أنه لا يُحب التعليم وسيأخذُ عملَ والده بالتجارة، لأنهُ على رأيه ” عقلٌ تجاري” لكنه أيضاً في هذا لم يُفلح ، وعندما قالوا له ” تزوج يا بُني وحاول أن تبدأ مع شريكةِ حياتك حياةً جديدة، قد تؤدي بك إلى بر الأمان” ، رفض وقال “لا أريد إمرأة تُقيّد حُريتي ، ولا أريدُ أطفالًا يُتعِبوني في حياتي، هذا كذا وتلك كذا ”
حالُ هذا الرجل يُذكرني بمثلٍ روماني يقول ” سوف يسألك الشتاء عما فعلتهُ في الصيف”.
والآن انظر ألا ترى أن البساطَ السحري يتحرك؟ هيا أسرع سينتقلُ بنا إلى مكان آخر ، أسرع أسرع .يااااااه ، بالكاد لاحقنا به ، كاد يفُوتنا هههههههه لقد قفزنا حتى نلحقَ به ، أتسمعُ ما أسمعه؟ صوتُ الأمواج، تَشعرُ بأنّكَ في صفاءٍ بعيدٍ عن الهُموم، تنظرُ حولكَ وترى منظرًا جميلًا، البحرُ والشمسُ يتهامسان، وقواربُ الصيدِ الصغيرة التي تُذكركَ بالماضي البسيط.ما بك؟ أتشعرُ بالخوف؟ لا تخف ، سيضَعُنا البساطُ السحري في مكانٍ آمن ، لن يغدُر بنا ويُلقِنا في البحر اطمئن ، ها نحنُ نهبطُ على السفينة .يا لها من سفينةٍ رائعةٍ وضخمة ، أترى ذلك الرجلُ الكهلُ تفوحُ منه رائحةُ العود، وتبدو عليه علاماتُ الغنى ، أليس كذلك؟
قد تنظرُ إليه وتقول ” كأنه ولدَ و في فمهِ ملعقةٌ من ذهب”.
انتظر قبلَ أن تحكُمَ عليه ، سأقول لك ماذا كان قبل ذلك ؟ هذا رجلُ أعمالٍ غني جداً , جمعَ ثروته بعد جدٍ واجتهاد , وعملَ لسنواتٍ طويلة ، له زوجةٌ وابنةٌ شابةٌ وابنٌ مُتوسط العمر ، التاجر في بدايةِ حياتِه “رجلاً فقيراً “وبسيطُ الحال، ولكنه تمكن من تكوين ثروته الكبيرة من عرقِ جبينه.قد تُقاطعني قائلاً ” قد يعيشُ الإنسان حياةً عريضةً منذ الخروج من الرحم وحتى الولوجِ في اللحد، ولكنه يبقى عابراً في زمانٍ عابر”. وأنا سأقول لك ” ذا زمانُ الحيرة وسيادةُ الشك وفناءُ اليقين، والفَطِن من تمسّك بمِرساةٍ تُبقيه ثابتاً واثقاً”. يقول أبو العلاء المعري: فما لي لا أقول ولي لسان، وقد نطق الزمان بلا لسان. والآن استيقظْ من منامكَ و تذكر، وقل لي ” ماذا قبل ” ؟!