هبة أحمد الحجاج
في يومٍ ما ، وقد يكون هذا اليوم في شهرِ يناير أو فبراير أو يوليو أو ديسمبر ، وقد يكونُ أيضاً في أول الشهر أو قد يكونُ في منتصفِ الشهرِ أو حتى آخره ، لكن يُعْتبر يوماً مختلفًا عن باقي الأيام أو حتى الأسابيع أو الأشهر أيضاً، ولكن في نهايةِ المطاف سيتخلفُ اليومُ أيضاً في كل سنةٍ جديدة .
الشمسُ أيضاً مختلفة ، هل الشمس تظهرُ في جميع فُصولِ السنة؟ في فصلِ الشتاءِ تكونُ مختبئةً تماماً وكأنها طفلةٌ صغيرةٌ تخجلُ أن ترى ضُيوفَ بيتها ، وفي فصلِ الربيعِ تَظهرُ بشكلٍ جزئي كالطفلة الصغيرة أيضاً ولكنها أخذتْ تعتادُ على هؤلاء الضيوف ، وفي فصلِ الصيفِ تظهرُ بشكلٍ كاملٍ وساطعٍ وهي تُشبه ذاتُ الطفلةِ تلك ، التي أصبح هؤلاء الضيوف رِفاقها و أخذتْ تُدردشُ وتلعبُ معهم .
وهنا سأقف قليلاً على تقلُباتِ الشمسِ في الفصول ، نحن كبشر وُلِدنا مختلفين ، منْ مِنّا لا يُحب الشمسَ الساطعة؟ ولو على هؤلاء الأشخاص كانت بقيت الشمسُ ساطعةً طول العام ، وأيضاً هناك اشخاص يُحبون الشمس الغائمة ولو على هؤلاء الأشخاص لقَرَرُوا ذلك وجعلُوهَا مُختَبئةً طيلةَ العام ، لكن هل تَعتقد أن الشمس لَبتْ مطالبهم واقتراحاتهم وأُمنياتهم ، بالعكس بقيتْ على ما هي عليه .
ولا نستطيعَ أن ننسى تقلبات الفصول ، بمعنى اختلافاتها ، هنالك فئة من الناس تُحب الشتاء، ترى فيه الأجواء الرومانسية وتقول” أجملُ شعورٍ في الشتاءِ هو أن تسمعَ صوتَ حباتِ المطر وهي تتساقطُ على الألواح” ، برد، رياح، وشتاء، قليلٌ من الذكريات الجميلة كفيلة بإعطائنا الدفء، وفي الصباح يحمل المطر رسائل الأمل والبهجة، وننظرُ إلى المطرِ ونقول: ليته يغسلُ قلوبَ البشرِ أيضاً.
وهناك فئةٌ من الناس تُحب الربيع، حيث كتبَ فيه أحمد الهمداني قصيدةً قال فيها ” برق الربيع لنا برونق مائه فانظر لروعةِ أرضه وسمائهِ فالترب بين ممسك ومعنبر من نوره بل مائه وروائه”.
وهناكَ أيضاً فئة تُفضل الخريف عن غيره ، ويقول به أيضاً ” الخريفُ الفصل الذي يُمثل مرحلةَ حياتنا التي تَسقطُ بها أوراقنا بعد أنْ كُنا أشجاراً نضرة، إلّا أنه ملحُ النجاح، ملحُ الحياة”
“وهناك عَبروا عنهُ بنظرةٍ مختلفه ” الورقة التي لم تسقط في فصل الخريف خائنة في عيونِ أخواتها، وفِيةٌ في عين الشجرة، ومتمردةٌ في عيونِ الفصول، فالكل يرى الموقفَ من زاويته”.
أما بالنسبةِ لِفصل الصيف، هنالك من عبّرَ عنه بالأمثال،
” الصيف كيف ” ولكن فيروز كان لها تعبيراً آخر عندما غنتْ لهُ ” صيف يا صيف عا جبهة حبيبي لوح يا صيف رجعتنا قريبي
من حي لحي عم توعى الباشير و بلاد الفي فيها الفرح داير
خليك خطي طوي عالداير يا شمس المي حلفتك لا تغيبي”
الثانية ، الدقيقة ، الساعة ، اليوم ، الشهر ، السنة ، القمر،الشمس، الربيع، الشتاء، الصيف، الخريف ، كُلهم مختلفين ، حتى أنه لم يَخلقْ الله الأصابعَ العشرة متشابهة،
ألا يجدرُ بكَ أيها الإنسان أن تكونَ مختلفاً؟! لأنك الأغلى والأفضل قال تعالى “﴿ لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ ﴾[ التين: ٤ ]
ماذا سيحصلُ إذا أخبرتَ الآخرين أنك لا تُحب الأكلةَ الفُلانية؟ قفْ الآن أمام المرآة، هل زِدْت أو خَسرت من وزنكَ شيء؟
ماذا سيحدُث إذا سألك أحد الآخرين “هل تُريد أن تُصبح مثل أبيك طبيب أم كَأُمك صحفيةً مثلاً ” وكانت إجابتك “سأصبح مثلَ ما أُريد ” هل أصبحت بعد إجابتك عاق؟ هل تخلى والديك عنك؟ بالتأكيد لا .
ماذا لو قررت أن تَشتري السيارةَ الفُلانية ، وكان مُوديلها قديمًا جداً، على قولتنا ” بتمشي حالها” هل تم إغلاق الطرق والشوارع ومنعوا دخول سيارتكَ خاصة؟ بل العكس تماماً تجَولتَ هنا وهناك في الطرق والشوارع ، بل قامتْ بِخدمتك وتوفيرِ الوقت عليك ، ولم يُوقفك أحد المارة وسألك ” ما هذه السيارة؟” بل العكس كلٌ منّا يمشي في طريقهِ ويفكرُ ماذا سيفعل غداً .
أخبرهم عن سرِ أناقتِكَ ، أخبرهم عن المتجرِ الذي تشتري منه ملابسك ، ولا تخجل ، قل لي ، اذا أخبرتهم هل سيمنعوك من مخالطتهم ، أم سيوبخونك على هذه الملابس؟ لكن هذا لم يحصل ، ها أنت تخرج كل يوم معهم وتقضي أجمل الأوقات .
أتعلم لماذا حصل معك ذلك !
“ليس من العجيب أن يختلفَ الناس في ميولهم و أذواقِهم، ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجلِ هذا الإختلاف” .
علي الوردي.
والآن تَشجع ” أخبرهم بأنك لم تقرأ لكاتب معروف ، صرح بكرهك لرواية اجمع العالم عليها ، أعلن بملء فمك أن أغنية ما ،تغنى بها العالم تلامس أحاسيسك، و أ ن ذلك الشاعر الكبير لا يعجبك ، و أن ألحان القيصر بقصائد نزار لا تروق لك ، أخبرهم أنك لست من مهووسي قهوة الصباح مع فيروز ، أو أنك لا تجد في الموناليزا سوى صورة ، و أنك لم تفهم شيئاً من لوحات بيكاسو أو لم تكلف نفسك لتتأملها أصلاً ، أعلن دون خجل أنك لا تعرف أبعد من مطاعم حارتك ، ، وأنك لم تقتني ثياب ماركات ولم تشم رائحة عطرٍ
فرنسي في حياتك ، وأنك تحب ركوب السيارات أكثر من المشي ، وأنك لا تريد أن تمتلك كاميرا و لا تحب التصوير ولا الترحال، وأن فنجان قهوة في بيتك “الممل” كفيل بإراحة دماغك، أعلنها الآن بملء فمك،…..
أرأيت !! لم تهتز الأرض ولا السماء ولم ينقص شيء من أصابع يديك ، قس طولَ أرجلك ستجدها كما هي ، انظر لوجهك في المرآة لم يتغير شيء من ملامحك ، لم ينقص منك شيء ولم تزد لأحد شيئاً ، لم يتغير سوى نظراتُ حِفنةٍ من الأغبياء لم تمنحهم القوة سوى سوء تقديرك لما تملك ، وفي النهاية من هم ، و من أنت ، اخلع نعليك و امض لفراشكَ ونم على الجانبِ الذي “يريحك” ، ألم ترضَ لنفسك أن تكون مختلفاً ؟”