الْكَاتِبَةُ :- هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ .
يَقُولُ الشَّاعِرُ:-
يَا مَن يُعِزُّ المَالَ ضَنّاً بِهِ، إنَّ المَعالِي ضِدَّ مَا تَزعمُ
مَا عَزَّ بَينَ النَّاسِ قَدرُ امرئٍ إلّا وقدْ ذَلّ بِهِ الدِّرهَمُ
يَقْصِدُ هُنَا الشَّاعِرُ :- أَنَّ الْمَرْءَ مَا لَمْ تَكُنْ الْأَمْوَالُ فِي نَفْسِهِ ذَلِيلَةً لَنْ يَجِدَ طَرِيقَهُ لِلْعِزّ..
لَكِنْ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَعْتَقِدُ مِنْ الصَّعْبِ جِدًّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ فِي النَّفْسِ ذَلِيلَةً مَعَ الْأَسَفِ طَبْعًا ..
عِنْدَمَا كُنْتُ صَغِيرٌ ، كُنْتُ أَرَى التُّجَّارَ يَعْرِضُونَ الْمَلَابِسَ عَلَى الْمُجَسَّمَاتِ بِقَصْدِ بَيْعِ هَذِهِ الْمَلَابِسِ ، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْوَقْتِ انْقَلَبَ السِّحْرُ عَلَى السَّاحِرِ ، أَصْبَحَ هُنَالِكَ أَشْخَاصٌ يُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْبَيْعِ ، قَدْ تَسْتَغْرِبُ كَيْفَ ذَلِكَ ؟!
اعْتَدْنَا عِنْدَمَا نَشْرَحُ لِلشَّخْصِ مَسْأَلَهُ مُعِينَهُ نَقُولُ لَهُ :- أَعْطِنِي سَمْعَكَ ، وَلَكِنْ أَنَا سَأَقُولُ لَكَ أَعْطِنِي عَقْلَكَ قَبْلَ سَمْعِكَ ، لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى الْفَهْمِ قَبْلَ السَّمْعِ ..
عِنْدَمَا تَرْهَنُ كَرَامَتُكَ وَتَجْعَلُهَا أَرْخَصَ مَا تَمْلِكُ مُقَابِلَ الْمَادَّةِ ؛ فَأَنْتَ هُنَا بِعْتَ نَفْسَكَ !
عِنْدَمَا تَحْذِفُ أَخْلَاقَكَ وَمَبَادِئُكَ وَتَضْرِبُهَا بِعُرْضِ الْحَائِطِ مُقَابِلَ عَرْضٍ مَادِّيٍّ !! فَأَنْتَ بِالتَّأْكِيدِ قَدْ بِعْتَ نَفْسَكَ ..
وَأَيْضًاً هُنَاكَ طُرُقٌ أُخْرَى فِي عَالَمِنَا قَدْ تَكُونُ لَيْسَتْ وَاضِحَةً ، أَيْ لَمْ تَرْفَعْ شِعَارَ ” هَلْ انْتَ لِلْبَيْعِ ؟ ” وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبَطَّنَةً جِدًّا وَرَفَعْتَ شِعَارَ ” تُجَرَّدُ من كل شيء ” .
وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَسِّفًا لِمَا وَصَلْنَا إِلَيْهِ ، وَإِذَا أَسْمَعَ صَوْتَ صَدِيقَايَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ ، اللَّذَانِ لَمْ أَذْكُرْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَيَاتِهِمَا .
جَلَسَا وَقَالَ أَحَدُهُمَا ” صَحَفَيْنَا وَكَاتَبْنَا الْفَذِّ ، مَاذَا تَكْتُبُ أَنَامِلُكَ لَنَا ؟!”
قُلْتُ لَهُ ” مَقَالٌ بِعُنْوَانِ : فِي عَالَمِنَا أَصْبَحَ الْمَالُ سَيِّدَ الْمَوْقِفِ !!”
قَالَ : أَنَا مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِي فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فُؤَيَّدَ رَأْيَ الرِّوَائِيَّةِ وَالْفَيْلَسُوفَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ الرُّوسِيَّةِ “آيِنْ رَانْدْ :
الْمَالُ مُجَرَّدُ أَدَاةٍ، سَوْفَ تَأْخُذُكَ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ تَرْغَبُ بِهِ، لَكِنَّهَا لَنْ تَحُلَّ مَحَلَّكَ كَسَائِقٍ” .
فَأَتَاهُ الرَّدُّ مِنْ صَدِيقِنَا الثَّالِثِ وَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ نَظِيرُهُ أَيْضًاً ” قَائِلًا : إِذًا أَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ رَجُلِ الْأَعْمَالِ وَمُنَظِّمَ الْعُرُوضِ الْفَنِّيَّةِ الْأَمْرِيكِيِّ “بِي تِي بَارْنُومْ : الْمَالُ رَئِيسٌ سَيِّئٌ، لَكِنَّهُ خَادِمٌ مُمْتَازْ”.
فَرَدَّ عَلَيْهِ : وَأَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ رَئِيسِ أَمْرِيكَا الثَّالِثِ “تُومَاسْ جِيفِرْسُونْ : لَا تُنْفِقُ أَمْوَالُكَ قَبْلَ أَنْ تَكْسِبَهَا”.
قَالَ لَهُ : لَا بَلْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْفَيْلَسُوفِ وَالْمُفَكِّرِ الْآيِرْلَنْدِيِّ ” إِدْمُونْدْ بُورْكْ : إِذَا كُنَّا نُقُودَ ثَرْوَتِنَا، فَإِنَّنَا نَكُونُ أَغْنِيَاءً وَأَحْرَارًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ ثَرْوَتُنَا هِيَ الَّتِي تَقُودُنَا، فَنَحْنُ حَقًا فُقَرَاءُ” .
فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ سَمِعَتْ صَوْتَ رِسَالَةِ الْبَرِيدِ الْإِلِكْتِرُونِيِّ ، كُنْتُ أَنْتَظِرُ إِجَابَةً مِنْ مِلْيَارْدِيرٍ مَعْرُوفٌ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ عَنْ سُؤَالٍ قُمْتُ بِإِرْسَالِهِ إِلَيْهِ وَ هُوَ ” بِرَأْيِكَ أَنْتَ كَمِلْيَارْدِيرْ هَلْ الْمَالُ سَيِّدُ الْمَوْقِفِ ؟!”
كُنْتُ أَنْتَظِرُ إِجَابَتَهُ عَلَى أَحَرٍ مِنَ الْجَمْرِ ، أَجَابَنِي إِجَابَةً صَدَّمْتَنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ ، كُنْتُ أَنْتَظِرُ أَنَّهُ كَمِلْيَارْدِيرٍ سَيُجِيبُنِي إِجَابَةً أُخْرَى حَيْثُ قَالَ :
الْمَالُ لَيْسَ هُوَ مَصْدَرَ السَّعَادَةِ ، بَعْدَمَا أَصْبَحَتْ مِلْيَارْدِيرْ أَكْتَشَفْتْ أَنَّ الثَّرَاءَ مُجَرَّدُ كِذْبَةٍ ، وَالْغِنَى مُجَرَّدُ احْتِيَالٍ ، وَمَنْزِلِي عَلَى الشَّاطِئِ لَا يَجْعَلُنِي سَعِيدًا ، سَيَّارَتِي لَامْبُورْغِينِي الْبَالِغَةُ 800 أَلْفَ دُولَارٍ سَبَّبَتْ لِي آلَامٌ فِي الرُّكْبَةِ ، سَاعَتَيْ الرُّولِكْسِ تَبْلُغُ 40 أَلْفَ دُولَارٍ تُظْهَرُ لِي الْوَقْتَ فَقَطْ ، أَنَّ أُسْلُوبَ الْحَيَاةِ الْغَنِيَّةِ مُمْتِعٌ وَلَكِنَّهُ يَتَلَاشَى .
اكْتَشَفَتْ لَاحِقًاً أَنَّ قَضَاءَ وَقْتٍ مَعَ الْعَائِلَةِ ، دَفَعَ فَوَاتِيرِ وَالِدِي الطِّبِّيَّةِ ، مُسَاعَدَةً طُلَّابِي عَلَى تَحْقِيقِ النَّجَاحِ ، هَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ الَّتِي تَجْعَلُنِي سَعِيدًاً حَقًا “.
نَظَرَ إِلَيَّ صَدِيقِي وَقَالَ : إِجَابَتُهُ ذَكَّرَتْنِي بِمَقُولَةِ الصَّحَفِيِّ وَالْكَاتِبِ الْأَمْرِيكِيِّ “جُورْجْ لُورِيمَرْ : كَانَ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تَسْمَعَ امْتِلَاكَ الْأَمْوَالِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُمْكِنُ شِرَاؤُهَا بِهَا أَمْرٌ جَيِّدٌ، لَكِنْ مِنْ الْمُهِمِّ أَيْضًا أَنْ تَتَأَكَّدَ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ أَنَّكَ لَمْ تَفْقِدْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَا تُشْتَرَى بِالْأَمْوَالِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ” .
ثُمَّ قَالَ صَدِيقُنَا الْآخَرُ : وَلَكِنِّي أَشْعُرُ أَنَّ مَقُولَةَ الْكَاتِبِ الْأَمْرِيكِيِّ “جِيمْسْ فِرِيكْ” تَتَّفِقُ أَكْثَرَ حَيْثُ قَالَ :
” لَا تَقُلْ لِي مَا هِيَ أَوْلَوِيَّاتُكَ، بَلْ أَرِنِي أَيْنَ أَنْفَقْتُ مَالِكَ وَسَأَقُولُ لَكَ مَا هِيَ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّاتُ “.
وَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ ، إِذْ وَصَلَتْنَا رِسَالَةٌ أُخْرَى مِنْ الْفَيْلَسُوفِ الْعَالَمِيِّ الَّذِي طُرِحَتْ عَلَيْهِ نَفْسُ السُّؤَالِ ” هَلْ أَصْبَحَ الْمَالُ سَيِّدَ الْمَوْقِفِ ” ؟! وَأَصْدِقَائِي مَا إِنْ سَمِعُوا صَوْتَ الرِّسَالَةِ جَمْعِيهِمْ بِنَفْسِ نَبْرَةِ الصَّوْتِ : مَاذَا قَالَ ؟!
نَظَرْتُ لَهُمْ وَقُلْتُ : يَقُولُ ” بِالْمَالِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ سَاعَةً وَلَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ الْوَقْتَ ،
بِالْمَالِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ أَكُلَ وَلَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ الشَّهِيَّةَ ، بِالْمَالِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ الدَّوَاءَ لَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ الصِّحَّةَ ، بِالْمَالِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ سَرِيرٌ لَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ النَّوْمَ ، بِالْمَالِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ تَأْمِينَ وَلَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَشْتَرِيَ الْأَمَانَ .
فَالْمَالُ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ ” .
ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِمْ وَقُلْتُ : هَلْ تَعْلَمُونَ مَاذَا قَالَتْ لِيُو تُولِسْتُوِي:
” الْهُدُوءُ هُوَ الْوَسِيلَةُ الْوَحِيدَةُ لِرُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ كَمَا هِيَ” .
بِالْفِعْلِ سَكَتُوا لِبُرْهَةٍ مِنْ الزَّمَنِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ رَأَيْتُ شَخْصًا جَالِسًاً عَلَى الرَّصِيفِ يَرْتَدِي مَلَابِسَ مُهْتَرِئَةً، مُمَزَّقَةً فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ، وَالْحِذَاءِ أَيْضًا ، وَيُحَاوِلُ إِصْلَاحَهُ ، وَلَكِنْ دُونَ جَدْوَى.
ذَهَبْتُ إِلَيْهِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ أَنْ يُشَارِكَنَا الْجَلْسَةَ ، فَوَافَقَ عَلَى الْفَوْرِ .
وَعِنْدَمَا كَانَ يُشَارِكُنَا شُرْبَ الشَّايِ ، قُلْتُ لَهُ : هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُلْقِيَ عَلَيْكِ سُؤَالٌ ؟
أَجَابَ : بِالطَّبْعِ .
قُلْتُ لَهُ : هَلْ أَصْبَحَ الْمَالُ سَيِّدَ الْمَوْقِفِ ؟
أَجَابَنِي إِجَابَةٌ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْعُمْقِ :
يَرْغَبُ الْجَمِيعُ فِي رُكُوبِ اللَّيْمُوزِينَ مَعَكَ ، لَكِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَى شَخْصٍ يَرْكَبُ الْحَافِلَةَ مَعَكَ حِينَ تَتَعَطَّلُ اللَّيْمُوزِينَ ، هُنَاكَ أُنَاسٌ فُقَرَاءُ جِدًّاً لَا يَمْلِكُونَ سِوَا الْمَالَ .
وَإِذَا صَدِيقْنَا الرَّابِعُ أَتَى وَأَشَادَ بِقَوْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَقَالَ : مَنْ أَصْدَقَ مَا سَمِعْتُ ، قَاطَعْتُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنَا مَاذَا حَدَثَ مَعَكَ لَيْلَةَ أَمْسِ ؟ جَلَسَ وَقَالَ مُبْتَسِمًاً :
قُلْتُ لَهُ عَمَاهُ يُشْرِفُنِي أَنْ أَمَدَّ يَدِى لِكَىْ أَحْظِىَ بِكَرِيمَتِكُمْ وَانْ تُعْطُونَا وَعْدًا آتَيْنَا اللَّهُ بِهِ دَاعِينَا
فَإِنْ وَافَقْتُمْ عَمَاهُ فَدَعْنَا نُفَصِّلُ الْمَهْرَ تَفْصِيلًا وَخَيْرُ الْبِرَّ عَاجِلُهُ وَنَحْنُ لِلْبِرِّ رَاجَيْنَا
فَرَدَّ عَلِيَّ يَاوَلْدَى
لَنَا الشَّرَفُ فَنِعْمَ الْأَهْلُ مِنْ رِبَاكَ وَنِعْمَ الْعِلْمُ فِى يُمْنَاكَ وَإِنَّ الْعِلْمَ يُغْنِينَا
وَأَمَّا الْمَهْرُ يَاوَلْدَى فَلَا تَسْأَلْ لِأَنَّنَا نَشْتَرَى رَجُلًا وَلَيْسَ الْمَالُ يَعْنِينَا
وَلَكِنْ هَكَذَا الْعُرْفُ يَاوَلْدَى وَأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِيكُمْ وَيَحْمِينَا
فَمَائُةُ أَلْفٍ مُقَدَّمُهَا وَأَرْبَعُونَ أَلْفًاً مُؤَخَّرُهَا وُضِعَ فِى الْبَنْكِ خَمْسِينَا
وَبَيْتَ بِاسْمِ أَبْنَّتِنَا وَفُسْتَانَ بِسَبْعِينَا
وَأَمَّا الْعُرْسُ يَاوَلْدَى فَشَرْمَ الشَّيْخُ يَكْفِينَا
فَإِنْ وَافَقَتْ قُلْنَا بَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ الْكُلُّ آمَينَا
فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ :
يَاعَمَاهُ حَمْصُهَا وَخَلَلُهَا وَضْعُهَا فَوْقَ رِفِّ الْبَيْتِ زَيْتُونًا
فَلَوْ بِيَدَى رُبْعَ الْمَهْرِ لَكُنْتُ الْيَوْمَ قَارُونًا
وَيُخَرِّبُ بَيْتَكُمْ وَبَيْتُ اللَّذَيْنِ عَلَيْكُمْ دَلَوْنَا