صانِعةُ العالم
هبة أحمد الحجاج
قدْ تتساءل أيُها القارئ منْ هي ” صانعةُ العالم “؟ وكيفَ تكون شخصيتها ؟! وأيضاً قد يدفعُكَ الفضولُ إلى تخيلِ شكلها ، والعديد العديد من الأسئلةِ التي تدفعكَ للتساءلِ عنها من بابِ الفُضول ، ولكن سأُجيبك وبكلِ اختصار أيها القارئ إنها “المَرأة” هي صانِعةُ العالم، فهي التي تستطيعُ أن تُغيّر جيلاً بأكملهِ إن هي أرادتْ ذلك ، أما بالنسبةِ لكِ سأجيبكِ أيتُها القارئة بأنها تلكَ المرأة التي تهزُ المهد بيمينها، تستطيعُ أن تهز العالمَ بيسارها.
قد ينتابُكم الفُضول أيضاً بعدَ تلك الأجوبة المُبهمة، وتُروداكم الأسئلة مرةً أخرى ” اليومُ ليس يوم المرأة العالمي ؟! ، واليومُ لم يحصل كذا ؟! واليوم لم نَسمع شيئاً إيجابياً أو حتى سلبياً عن المرأة ؟! ” ومنْ قالَ أنَ المرأة لها يومٌ تحتفلُ به ! بل على العكس ؛ ليس لها يومٌ منَ الأيام بل لها جَميع أيام العمر .
والآن ما رأيكَ أن تُطلق نظرك وتُشاهد تلكَ الطِفلة الصَغيرة التي تَرسمُ على الشارعِ لُعبة ” الحجلة” وتُمسك بيدها الأُخرى لُعبتها وكأنها طِفلتها الصَغيرة ، وتأخذُ تقفزُ هنا وهُناك وهي تَحملها وكأنها تُواجه العالمَ من قفزٍ ولعبٍ ولهو أو حتى مُشاكسات وهي تَحملها بين ذِراعيها ، وكأنها تَقول للعالم ” لا عَليكم بهذهِ الكفة سأواجهُ الحَياة والكفة الأُخرى سأُحافظ عليها “.
ثمَ نظرتْ إلى تلكَ الفتاةِ الشابة التي تَتمتعُ بالوقارِ والطَلة الجَميلة ، والتي تُسابقُ الريح لأنها تأخرتْ عن مَوعد عَملها نظرةَ إعجاب يملؤها الاعتزازُ والثقة أنها تَنتمي إلى جنسِ حواء ، فابتسمتْ لها الفتاة منْ خلفِ زُجاج السيارة وقالتْ لها ” المرأةُ التي لا تنتظرُ التقييمَ من أي شخصٍ مهما كان، هي أقوى كائن على وجهِ الأرض”.
فأخذتْ تركضُ إليها الطِفلة مُسرعةً تُسابق السيارة وتَقول ” ابقي قويةً حتى يتعجبُ مَن حولكِ من قدرتكِ على إبقاء الابتسامةِ على وجهكِ رُغم ما يحدث ” مودعةً إياها .
أكملتْ الفتاةُ لتشقَ طريقها ، لتُبرز هويتها ، ليكون لها اسمٌ في هذا المجتمع ، لتُكمل حلمًا لم يتبقى لها سوى القليل حتى تصل إليه ، لتقول للعالم ” أنا هنا ” .
وهي أيضاً تعلمُ أن النجاحَ و الوصول إلى القمةِ لا يحدث بين ليلٍ و نهار. يتطلبُ الأمر أكثرَ من الإرادة، يجب أن تتصرفَ بذكاء و تضعَ مجهود عَملها الشاق في خطةٍ واضحة ، وتضعُ مبادئ وعادات تُساعدها على تطويرِ حياتها المهنية والشخصية التي تُمهد الطريق ، وبينما هي غارقةٌ في أفكارها وكيفيةِ وصُولها لتحقيق ذاتها ، لفت نَظرها في السيارةِ التي بجانبها أمٌ وأطفالها ، بيدها تُمسك مقودَ السيارة و بيدها الأُخرى تُرتب أوراق عملها ، أو بالأحرى أوراقَ مُستقبلها، أما بالنسبة لأذنيها فهي كانت تُسمّع لأطفالها سورةً من سورِ القرآن الكريم ، وكانتْ فرحةً للغاية بحفظِ طفلها سورةً من القرآن الكريم ، نظرتْ إليها هذهِ الفتاة وقالتْ لها ” المرأةُ القوية ليستْ ناقصة بل هي منْ تلدُ نصفَ المُجتمع وتُربي النصفَ الآخر ” فنظرتْ إليها وأجابتها ” مهما كان ، كُوني البطلة في حياتكِ وليست الضحية، وابتسمي كي تجعلي الجَميع يتأكدُ أنك أصبحتِ أكثرَ قوة مما كُنت من قبل”.
ومن ثم أصبحتْ الإشارة الضوئية خضراء وسارتْ كلٌ مِنهما باتجاه ، والأمُ اصطحبتْ أطفالها إلى المَدرسة وفي نفسِ الوقت تقولُ لنفسها ” القوة كُلما أحسستُ بضيقٍ من الحياة سأتمتعُ بقوة المُستحيل؛ لكي انجو ، لاثبتَ لنفسي وللعالم بِأسره أنني قويةٌ وذات بأسٍ شديد ، سأعاندُ الحياة التي تُضعفني والتي تُريد أن تُقلل من شأني وتجعلني أتنازلُ عن أحلامي وطُموحاتي وأهدافي من جهة ، و من جهةٍ أخرى مُستقبلَ أطفالي ، سأنجو أنا وأطفالي وسننجحُ بشكلٍ جميلٍ وغير متوقعٍ بإذن الله ، إن الإستسلام ليس حلاً أبداً، مُواجهة المشكلة والحزن بقوة أعظم، فتَحدي الألم علّك تنجي” ، ثم التفتتْ إلى أطفالها تُودعهم على بوابة المدرسة مُلقيةً عليهم التوجيهات الروتينية المُعتادة ، وإذ تُشاهد أُمًا تلتقطُ الصورَ مع أبنائها مُتزينين ب” روب التخرج ” . نظرتْ إليها نظرةَ حبٍ ممزوجةٍ بالتفاؤل والنظر إلى المُستقبل البعيد ، وكم هو شيئٌ جميل وفرحةٌ لا تُضاهيها أي فرحة ، لا شيء يُضاهي فرحة التخرج؛ فهي من أجملِ اللحظات التي تمرّ بحياتنا، فتعبُ السنين، وسهرُ الليالي، ودعاءُ الوالدين قدْ حصدناه ، فهان علينا التعب، وكلُ الضغوطات التي واجهناها بمُجرّد شُعورنا بفرحةِ التخرج.
ذهبتْ إليهم وعيناها تَملأهما الفرحة ، وكأنها هي التي تَخرج أبناؤها وقالتْ لها ” أعظمُ إمرأةٍ هي التي تُعلمنا كيف نُحب ونحن نكره، وكيفَ نضحك ونحنُ نبكي، وكيف نَصبر ونحن نتعذب، فالمرأةُ تجعل البيتَ جميلاً والعالم سعيداً بالقدمِ على المهد، وبالمغزلِ في اليد”.
نظرَ إليها ابنها وهو يحتضنُها وقال ” كيف يُهزم مُجتمعٌ تقفُ امرأةٌ خلف كل رجلٍ فيه فتدفعهُ وتشجعهُ وتُقويه على ما يُواجهه من مشاكل؟”
فقلتُ له ” ما منْ رجلٍ عظيمٍ يُصادفني في الحياةِ إلا وأُجزم في الحالِ أن والدتهُ أكثرُ عظمةً منه”.
فرد على الفور ” وراءَ كُل رجلٍ عظيم امرأة لولاها لم يكنْ عظيماً، الذي لا يُؤمن بحقوقِ المرأة ينسى أنّ أمه وأخته وابنته منَ النساء”.
ومن ثم قدمَ لها الحلوى .
“سيدتي الأم والعاملةُ في المصنعِ والحقل، سيدتي المُديرة والمُعلمه في المدرسة ، سيدتي ربةُ المنزل ، سيدتي المُوظفة والكاتبة والطَبيبة والمُهندسة ، في كلِ مكانٍ يا أُنثى العصر.
سيدتي أنتِ تتحملينَ أصعبَ أنواعِ الألم والتعب ليكون الإنفراد والتميز في الشخصيةِ والإسم، سيدتي على عاتقك أعقدُ المسائل والتَجارب صعبةُ الحل، يجبُ أن تتسَلحي بإرادةٍ تشقُ الجبالَ وتُفتت الصخر لتحقيقِ ذاتكِ التي تتحدى العجزَ والكسر، وكلُ من قالَ عن المرأة أنها نصفُ عقل، فأنتِ مصدرُ إلهامٍ لكل من قالَ أنه إنسانُ العصر، فأنتِ سراجٌ يضيءُ العتمة في دهاليزِ الجهل، وعقلِ بُلهاء العصر، في مجتمعِ التكنولوجيا والواتس آب”!
فالمرأةُ شقيقةُ الرجل، كما أخبرَ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “النساءُ شقائقُ الرجال”.
فالمرأةُ تُشارك الرجلَ في التكاليفِ المنوطةِ بكل واحدٍ منهما، إلاَّ أنهُ قدْ خففَ عنها الشرع فأعفاها من بعضِ التكاليف التي يُكلف بها الرجل مراعاةً لخلقتها، وقُدراتها، فلم يفرض عليها الجهاد ولا الكسب للنفقةِ على الزوج والأولاد، إلى غيرِ ذلكَ مما اختصَ بهِ الرجال.
كما أنهُ في المُقابل كلفَ المرأة بالقيامِ بأعمالٍ لا يقدرُ الرجل على القيامِ بها على وجهِ التمام، من ذلك تربيةُ الأولاد والقيام بشؤونِ الأسرة في البيت، وهذا من كمالِ شريعةِ الإسلام ومنَ الأدلة على أنها شريعةُ رب العباد الذي قال عن نفسه: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14) .
فالمرأةُ ميدانُ عملها في المجتمعِ واسع، فهي الأمُ المُربية التي تُخرج الأجيال، وبقدرِ صلاحِ الأم أو فسادها يُقاس حالُ المُجتمع صلاحاً وفساداً، ولذلك الأمر . ولأنَ بعض الناس يقول: المرأةُ نصفُ المجتمع! فإننا نقول: إن هذهِ العبارة غيرُ وافيةٍ بحقيقةِ دور المرأة في المجتمع، فهي في الحقيقةِ سببٌ لصلاح المُجتمع كله أو العكس” .
فإذا أردتَ أن تعرفَ رُقي أمة، فانظر إلى نِسائها.