شَرفُ المُحَاولة
هبة أحمد الحجاج
في البدايةِ أريدُ أنْ أطرحَ سؤالًا، وقدْ يكونُ هذا السُؤال أو بِالأحرى هو شعور كلٌ منّا قدْ جربهُ في يومٍ منَ الأيام، قدْ يكون من سنين، أو حتى شُهور، أو أسابيع، أو مِثلَ حالتي الآن ، الشعورُ هو “هلْ تَخيلتَ نفسكَ أنكَ في منتصفِ النورِ وفجأةً ومنْ دُونِ سابقِ إنذارٍ تُصبحُ وكأنكَ فقدتَ بصركَ، لا ترى إلا الظلام ، والسبب (انقطاعُ الكهرُباءِ) ، يا لهُ من شعورٍ سيءٍ للغاية، وقدْ تَشعرُ أنهُ أسوء عِندما تَكتشِفُ أن شحنَ الهاتفِ الخلوي وحاسُبوكَ المُتنقل قد نَفذ ، وهُنا الطامةُ الكُبرى؛ تَشعرُ وكأنكَ قدْ خُطِفتَ منْ هذا العالمِ بأسرهِ ، أحدُ الأشخاصِ أتى على بِساطٍ سحري وأخذكَ وألقاكَ خَارجَ هذا الكوكبِ كاملًا” .
تَذكرتُ الأديب الشهيد محمد الصدر (قدس) عِندما قال:
“إنا قدْ فَقدنا الكهرباء قال عقلي حبذا أنجو منَ الضَيمِ الطَويلِ أنجو من الظلامِ والسَيرِ في الغَمامِ بحيلةٍ منْ عَقلي الحُر الضئيل لعلهُ ينجو القتيل”.
وتَذكرتُ أيضاً مُخترعَ الكهرُباءِ العَظيم ، الذي تَدينُ لهُ البشريةُ بِهذا الاختراع، لولا اللهُ ثم اختراعهُ لما كان لنا إنارة و إضاءة المصابيحِ والأضواء، تَشغيلِ المُحركات، الغسيلُ من خلالِ استخدامِ الغسالات، استخدامُ الكهرُباءِ في المَصانعِ لتَشغيلِ الأجهزةِ والإنتاج، التبريدُ من خلالِ المُكيفاتِ في الأجواءِ الحارّةِ في فصلِ الصَيفِ شديدِ الحرارةِ، تشغيلُ مُختلفِ الأجهزةِ كالراديو والتِلفزيون والجلايةِ وغيرُها.
صِدقًا عِندَما جَلسّتُ في هذا الظلامِ الحالكِ شَكرتُ الله ثم هذا المُخترعِ العَظيمِ “تُوماس أديسون” ، وبدأَ عقلي يُلقي عليهِ عباراتٍ من المَديحِ، على قُولتنا ” كَزخِ المطر “، يا لَهُ من مُخترعٍ باهر ، ويا لهُ من إنسانٍ عَظيم ، لماذا لمْ نَصّنع لهُ تِمثالًا؟ والكثيرَ الكَثِير منْ عِباراتِ المَدِيح ، وأيضاً وأنا أُفكرُ بالمدحِ ، بدأتُ أطرحُ بَعضَ التَساؤلاتِ ، كيفَ خطرَ لهُ أن يكتَشفَ الكَهرباء؟ ما الذي دَفَعهُ لِذلك ؟ كيفَ فكرَ بِذلك؟ كيفَ اكْتشفَ هذا الاختراعِ البَاهر؟ والكثيرَ الكثيرْ من التساؤلاتِ التي لنْ أصِلَ إلى أي إجابةٍ إذا لمْ تأتي الكَهرُباء، لأن الأمر كُلهُ مُتوقِفٌ عَليها
وما هِي إلا لَحظاتْ حتى جاءتْ الكَهرُباء، شَعرتُ وكأن شَخصًا ما سَلطَ الضَوءَ عَليّ ونشَرهُ على جَميعِ الأماكن، يااااااه كمْ هُناكَ فرقٌ بينَ النورِ والظلام!
سَارعتُ إلى مَصدَرِ مَعلومَاتِنا الحالي ” جوجل”، وأخذتُ أبحثُ عن قصةِ اكتشافِ الكَهرُباء، وعن هذا المُخترعِ العَظِيم “تُومَاس أديسون ” ، إليكم القِصة:
في يومٍ منَ الأيامِ كانتْ والدةُ أديسون مريضةً وطريحةَ الفِراش، وقدْ اضطُرتْ لإجراءِ عمليةٍ جراحيةٍ فوريةٍ لها، إلّا أنّ الطَبيبَ لم يتمكنْ منْ إجرائِها؛ وذلكَ لعدمْ وجُودِ ضوءٍ في الغرفةِ ، وبالتالي اضّطرَ إلى تأجيلِ العمَليةِ حتّى الصبَاح، ومنذُ ذلكَ الوقتْ بدأَ أديسون بالتفكيرِ حولَ كيفيةِ اختراعِ ضوءٍ قوي ومُبهر، فبدأَ بإجراءِ التَجاربِ والمُحاولاتِ منْ أجلِ تنفيذِ هذهِ الفكرة ، وفي عامِ 1879م تكَلل تعبُهُ بالنجاحِ الباهرِ ، نجحَ ليُضيءَ العالمَ بالكهرُباءِ ، وهُو أنّ اخْترع مِصباح كهرُبائي يستطيعُ منْ خلالهِ أن تُضاء المنازل والشركات، ثمَ طورهُ وصنعَ نِظامًا مُتكاملًا للتوليدِ والتوزيع، وتمكَّنَ أيضًا من اختراعِ 1090 اختراعًا، منها 122 اخترعًا وهو لم يتجاوز الـ23 عامًا من عمرهِ ، منها التلغراف الآلي، وبطارية تخزين للسيارة، والفونوغراف، والمنازل الخراسانية.. وغيرها.
قد تشعرُ بالذهولِ أو الدهشة، أو حتى الصدمةِ عِندما أقولُ لكَ ليسَ هذا المُهم ، وتقولُ لي ” أيوجدُ أهمُ من ذلك؟!” سأقولُ لكَ بِكُلِ تأكيد ألا وهو “أنا لمْ أفشل، أنا بكلِ بساطة وجدتُ 10000 طريقة لا يعملُ بها المصباح” . هذه كلماتُ «توماس إديسون» مُخترعِ الكهرباءِ الأمريكي، الذي تُعدُ قصةُ حياتهِ أُنموذجًا لتَحدي الفشل ،وقد فَشل حوالي 900 مرة، وكان عندما يفشلُ يقول: (هذا عَظيم! فقدْ أثبَتنا بأن هذهِ أيضاً وسيلةٌ فاشلةٌ في الوصولِ للاختراعِ الذي نحلمُ به)، فكانَ شجاعاً لا يعرفُ اليأسَ ولا الانكسار، بلْ كانَ طمُوحاً وجاداً.
أينَ نحنُ منْ ” أديسون ” هل فكرتْ يوماً أينَ نحن ؟!
شابٌ في مُقتبلِ العمر ، تَخرجَ حديثاً من جامعتهِ، وتملَؤُهُ مَشاعرُ السعادةِ والفرحِ، يَشعُرُ أنه أمّسكَ الدُنيا بِيده ، يبدَأُ البحثَ هُنا وهُناك وَيسّعى ويسّعى، ولكن بعدَ عِدة محاولاتٍ ينتابُهُ اليأس ويشعرُ بالاستسلامِ والضعف، وأنهُ لا يستَطيعُ أن يُقدمَ أكثرَ من ذلك، وتبدأ فقرةُ الأمثال ” كأنك بتدور على إبرة بكومة قش” أتعلمُ لو فَعلَ وقالَ مثلك ” أديسون ” ما كُنا وصَلنا إلى ماوصلنا إليه الآن ” كان عالمُنا مُظلمٌ وبشكلٍ حالك ” ولكن نحمدُ الله لم يقلْ ذلك ههههههه ، لمَ لا تكنْ مثلهُ وتَجعلْ شِعاركَ هو كما قالْ “نُقطةُ ضَعفنا الكُبرى هي في الاستسلام , فالطريقُ المُحددة للنجاحِ تكونُ بإعادةِ المُحاولة بعدَ كلِ فشل”.
لا تقفْ في بدايةِ الطريقِ إنْ وجدتَ صخرة، فهذهِ جزءٌ من جسرٍ ستبنيهِ يوماً للمُستقبل.
وهَاهي تلكَ الفتاةُ الشَابةُ التي تريدُ أن تُكونَ عائلةً جميلةً بسيطةً يمّلؤُها الدِفّء والحنان ممزوجةً بالمُشاكسَاتِ وضَحِكاتِ الأطفال ، لكن هُناك القليلُ منْ المُنغِصات التي من الطَبيعي أن تَحصل ، تُحاولُ مرةً واثنتانِ وعشرًا؛ لكنْ دُون فائدة ، والآن أصبحتْ تُواسي نفسها وتقول ” المشاكلُ مِلحُ الحياةِ وتبتَسمُ الابتسامةَ الصفراء” .
قدْ يكونُ ذلك، لكن لا تَضعي رأسكِ في الرمل كالنعامِ وتَتجاهليها ، تجاهلُ المُشكلة لا يحلُها بلْ يُراكِمها ويُعقدُها فتُصبِحُ كالصخرةِ التي لا تَستطيعي أن تتخلصِي مِنها ” لا وجُودَ لمشاكلٍ يتعذرُ حلُها ، و لكنْ هُناك مشاكلٌ مطروحةٌ بشكلٍ سيء”.
وتَذكَري قول ” أحمد خيري العُمري “:
(سورةُ يوسف تقولُ لكَ أن تستمرَ بالمحاولةِ لا أنْ تتوهمَ أنكَ ستكونُ مثلَ يوسف لمجردِ أنكَ دخلتَ السجن!).
انتبهي ستحكُمين على نَفسكِ بالفشلِ إذا لم تُحاولي مجدداً .
يُعجِبني جداً ذلك الطفلُ الصغيرُ الذي كان ضعيفاً جداً في مادةِ الرياضياتِ، وكان يشعرُ بالضيقِ وينتابهُ الخوفُ والقلقُ النفسي في امتحانِ هذهِ المادة ، لكنهُ لم يجعلها عقدةً بل على العكسِ؛ حاولَ أن يستوعبَ و أن يفهمَ و أن يُفكرَ في طريقةِ الحل.
والآن أصبح يحملُ الشهاداتِ العُليا في تخصصِ ” الرياضيات”. وعندما نسألهُ بالتأكيدِ سيقولُ كما قالْ” لطالما اعتقدتُ أنني سوفَ أصيبُ الهدفَ في المحاولةِ القادمة، مهما كانَ عددُ المُحاولاتِ السابقةِ التي لم أصبهُ فيها” .
جوناثان سويفت.
لا يصلُ الناسُ إلى حديقةِ النجاحِ دونَ أن يمروا بمحطاتِ التعبِ والفشلِ واليأس، وصاحبُ الإرادةِ القويةِ لا يُطيلُ الوقوفَ فـي هذهِ المحطات.
يكفيكَ شرفُ المُحاولة .
عُذراً نسيتُ شيئاً جميلاً وأريدُ أن أقولهُ لكَ ونالَ إعجابي كثيراً، وهو قولُ إدغار موران:
“حضارةُ الكهرباء لمْ تُضِئْ الظلام الداخلي” .
وهذا هُو الواقعُ ومع الأسف .