هبة أحمد الحجاج
يقولُ الكاتب الصحفي جورج برنارد شو :
“بعضُ الناسِ يرون الأشياء كما هي ويتسائلون :لماذا؟
وآخرون يحلُمون بأشياء لم تكن أبداً ويتسألون: لم لا؟! “.
استوقفتني هذهِ المقولة ، والتي تَقسمُ المجتَمعَ قسمين : قِسمٌ يريدُ أن يعيشَ في الواقعِ الذي هو بهِ ولا يُريدُ أن يرى غير ذلك، كما يقولُ المثل ” لا يرى أبعدَ من أنفهِ” ، قدْ يُدافعون عن أنفسِهم ويقولون : نحنُ نرى الأمورَ من الألفِ إلى الياءِ حتى لا ننصدِم بالواقع، هكذا نحمي أنفُسنا من اليأسِ والإحباط . وآخرون يحلُمُون بأشياءَ ليستْ موجودةٌ بالأساسِ ولكن يقولونَ “لِما لا!” ، ولو سنَحتْ لهمُ الفرصة أن يُدافعوا عن وجهةِ نَظرِهم سيقولون ” الخيالُ سيأخُذنا إلى أي مكانٍ في العالم، إلى أي فكرةٍ عجِزنا أن نُحقِقها ، قد نتخَيلُها ونسعدُ بها بعضَ الشيء ، وقدْ نَتخيلُها ونُحققها أيضاً كما تعلم ” كلُ مُتَوقعٍ آت”.
وقعتُ في حيرتي بعضَ الشيء، هل أكونُ واقعيةً أم أكون خياليةً؟ إنه أمرٌ مريبٌ للشكِ حقاً ، التجَأتُ إلى الكُتابِ والسِياسِين وغيرهم، الذينَ يُعتَبَرُ لهم بصمةٌ في هذهِ الحياةِ، لعلي أجدُ إجابةً على كُلِ هذه التساؤلات.
يقولُ محمد علي كلاي “الذي لا يُوجدُ لديه الخيال ليس له أجنحة” .
فَقررتُ أن أكونَ خَياليةً ، وإذ يقولُ كارل ماركس “ما يُميزُ أسوأ مهندسٍ معماري عن النحلةِ الأكثرَ خبرة؛ هو أنهُ قد بنى الخليةَ في ذهنهِ قبل بناءها في الواقع”.
فقلتُ في نَفْسي” بالطبع لا للخيالية ،سأكون واقعية” .
وإذ يقولُ كولن ويلسون ” الخيالُ الجيدُ لا يُستخدمُ للهروبِ من الواقعِ و إنما لخلقهِ”.
أصبحَ رأسي يأتي بأفكارٍ ويذهبُ بأفكارٍ آخرى ، وأزيدُكم من الشعرِ بيتاً؛ يقولُ فاروق جويدة “إن الخيالَ هو الحلمُ بشيءٍ أفضلَ من الواقعِ، و الذين لا يُفَكِرونَ في غيرِ واقِعهم لا يرون شيئًا غير أقدامهم و عادةً ما يسقطون “.
وبعدَ عدةِ مُحاولات، والبحثُ هُنا وهناك، كان الحدُ الفاصلُ أو حتى كصفارةِ الحكم التي تُعلِن عن انتهاءِ المُباراة ، قولُ تشي جيفارا “كنْ واقعياً واطلب المستحيل!”.
نعم؛ سأكون واقعيةً وأخذُ بالأسبابِ، لكن سأخلقُ لي عالمًا في عالمي .
نظرتُ من شُرفةِ منزلي وإذا أرى جارتي ” إمرأة طاعنةٌ في السن” ، تنظرُ إلى المِرآة مُبتسمةً وفرحه، وكأنها ترى نفسها فتاةً شابة ، وجهُها يخلو من تجاعيدِ الزمن الذي وكأنه جعلَ بصماتهِ على وجهِها ، فنظرتْ إلي وكأنها تقولُ لي
” في بعضِ الأوقاتِ قد يجعلُكَ الخيالُ تبتسمُ من أعماقِ قلبك” .
وهاهي جَارتي الآخرى تَجلسُ على كُرسي مُتحرك ، ولكنها تُشاهدُ راقصةَ الباليه وتبتسمُ وتتخيلُ نفسها أنها هي، وأصبحتْ تُحركُ نفسها مثلُها تماماً ونسيتْ ” إعاقتها الجسدية”، وعندما لاحظتْ أنني أُراقبها مُبتسماً قالتْ لي “عندما لا يُرضينا الواقع ندمِنُ تعاطي الخيال”.
أردتُ أن أُحييها على خيالها الرائع، وإذا ارتطمتْ بي كرةُ قدم ، كانت لِطفلٍ صغيرٍ يرتدي زي “ريال مدريد” وكان واضحاً عليهِ أنهُ يُقلدُ حركاتِ “كريستيانو رونالدو” ، نظرَ إلي وكانتْ ملامِحُ وجههِ يعلوها الخجل ممزوجةً بالطموح وقال ” ولنا في الخيالِ حياةٌ أُخرى “.
قلتُ في نفسي على قولتنا ” ماحدا أحسن من حدا “.
أعددتُ لنفسي فنجانٍ من النسكافيه الخاص، وجلستُ على شُرفتي وتَخيلتُ أنني في مدينةِ “ميلانو الإيطالية ” تحديداً في حديقةِ “باركو سيمبيون” حيثُ يُمكِنُكَ هُناك الاسترخاء والترفيه، وعندَ أطرافِ الحديقةِ يُمكِنُك مُشاهدةُ تُحفةٍ تدُلُ على جمالِ وروعةِ الفنِ المِعماري الإيطالي، والهندسةُ الإيطاليةُ القديمة وهو قوسُ السلام، ستستمتع.
قدْ تستغرِبون قليلاً ولكنْ سأقولُ لكم:
“لا بأسَ بشيءٍ من الخيالِ طالما أنهُ سيُشعِرنا بالسعادة”.