الكاتب : هبة احمد الحجاج
ذَاتَ يَوْمٍ ، انْقَلَبَتْ الصَّحِيفَةُ الَّتِي أَعْمَلُ بِهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ وَ السَّبَبُ " مَقَالٌ " وَ مَنْ الَّذِي كَتَبَ ذَلِكَ الْمَقَالَ؟!
بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَ فَخْرٍ ، أَنَا نَعَمْ نَعَمْ لَا تَسْتَغْرِبُ ، أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ لِلَّهِ ، هَهْهُهُهُهُهْ ، لَا أَلُومُكَ وَ أَنَا أَيْضًا اسْتَغْرَبْتُ مِثْلَكَ تَمَامًا ، وَ أَنَا دَاخِلٌ إِلَى غُرْفَةِ الِاجْتِمَاعَاتِ ، وَقَدْ تَحَوَّلْتُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى غُرْفَةِ طَوَارِئَ ، قُمْتُ بِإِلْقَاءِ عِدَّةِ تَسَاؤُلَاتٍ عَلَى نَفْسِي ، مَا الَّذِي كَتَبْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَالِ؟! لِمَاذَا هَذَا الْمَقَالُ أَحْدَثَ ضَجَّةٍ كَبِيرَةً فِي الصَّحِيفَةِ ؟! هَلْ سَأَخْسَرُ عَمَلِي بِسَبَبِ هَذَا الْمَقَالِ ؟! وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ فَتَحْتُ الْبَابَ ، وَ إِذْ الْمُدِيرُ يَنْهَالُ عَلَيَّ بِالْكَلَامِ " الصَّحِيفَةُ قَدْ تُفْلِسُ بِسَبَبِكَ ، الصَّحِيفَةُ قَدْ تُغْلِقُ بِسَبَبِ كِتَابَاتِكَ ، الْجَرِيدَةُ خَسِرْتْ بِسَبَبِ مَقَالِكَ !!"
نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ :- كَيْفَ سَتَخْسَرُ ؟! نَظَرَ إِلَيَّ و قَالَ بِهُدُوءٍ : مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ الْخَسَارَةِ ؟!
أَجَبْتُهُ عَلَى الْفَوْرِ:- فِقْدَانُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ أَوْ كُلِّهِ، عَكْسُ الرِبْحِ.
شَعَرْتُ أَنَّهُ صَدِمَ بِالْإِجَابَةِ وَ قَرَّرَ أَنْ أَتَجَوَّلَ حَوْلَ الْعَالَمِ ، وَأَقُومُ بِكِتَابَةِ تَقْرِيرٍ عَنْ الْخَسَارَةِ ، وَ بَعْدَ ذَلِكَ سَيَقُومُ بِاتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ بِشَأْنِيٍّ.
وَ بِالْفِعْلِ سَافَرْتُ ، وَ بَاشَرَتْ بِإِعْدَادِ تَقْرِيرٍ بِعُنْوَانِ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ ؟! " وَ بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى مَقْعَدِي أَقُومُ بِتَرْتِيبِ الْأَوْرَاقِ وَإِعْدَادِ الْمُعَدَّاتِ ، لَفَتَ نَظَرِي حِوَارَ دَارٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ ،حَيْثُ اقْتَرَبَ بَائِعُ كَعْكٍ فَقِيرٌ مِنْ الْمِلْيَارْدِيرِ الْيُونَانِيِّ الشَّهِيرِ " أُونَاسِيسْ " الْمُلَقَّبِ بِمَلِكِ التَّانْكِرْ (سُفُنِ النِّفْطِ) ، وَطَلَبَ مِنْهُ شِرَاءَ الْكَعْكِ،
أَخْرَجَ أُونَاسِيسْ قِطْعَةَ نَقْدٍ مَعْدِنِيَّةً وَ قَالَ لِلْبَائِعِ:
اخْتَارَ .. مِلْكٌ أَمْ كِتَابَةً؟
إِذَا رَبِحَتْ سَتَأْخُذُ كُلَّ مَا فِي جُيُوبِي مِنْ نُقُودٍ وَ شِيكَاتٍ، وَ إِذَا خَسِرَتْ تَضَعُ عَلَى الطَّاوِلَةِ كُلَّ مَا لَدَيْكَ مِنْ كَعْكٍ.
أَجَابَهُ الْبَائِعُ : يَا سَيِّدِي أَنَا فَقِيرٌ، إِذَا خَسِرْتَ مَا لَدَيَّ مِنْ الْكَعْكِ فَلَنْ أَسْتَطِيعَ إِطْعَامَ عَائِلَتِي الْيَوْمَ.
أَدَارَ أُونَاسِيسْ ظَهْرَهُ لِلْبَائِعِ قَائِلًاً:
وَلَدَتْ بَائِعَ كَعْكٍ ، وَ سَتَمُوتُ بَائِعَ كَعْكٍ.
سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ بِتَسْجِيلِ أَوَّلِ مُلَاحَظَةٍ عَنْ مَعْنَى الْخَسَارَةِ بِرَأْيِ الْمِلْيَارْدِيرِ الْيُونَانِيِّ الشَّهِيرِ أُونَاسِيسْ الْمُلَقَّبِ بِمَلِكِ التَّانْكِرْ (سُفُنُ النِّفْطِ):- إِذَا لَمْ تُغَامِرْ وَ لَمْ تَخْسَرْ فَلَنْ تَتَعَلَّمَ كَيْفَ تَرْبَحُ.
تَابَعْتُ الْمَسِيرَ وَ الْبَحْثَ لِكَيْ أُكْمَلَ إِعْدَادَ التَّقْرِيرِ ، فَلَمَحَتْ شَخْصٌ مَلَامِحَهُ تُشْبِهُ " مَارْكْ تُوِينْ " كَانَ يَجْلِسُ فِي الْمَطْعَمِ وَ بِيَدِهِ قَلَمٌ وَكَانَ كَأَنَّهُ يَكْتُبُ ، هُوَ أَسَاسًا كَاتِبٌ أَمْرِيكِيٌّ سَاخِرٌ كُتَبَ الشِّعْرَ وَ الْقِصَصِ الْقَصِيرَةِ وَ الْمَقَالَاتِ وَ الْمُحْتَوَى غَيْرِ الْخَيَالِيِّ.
ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مُتَسَائِلًا:- أَلَسْتَ أَنْتَ " مَارْكْ تُوِينْ" ؟!
ابْتَسِمْ وَقَالَ :- نَعَمْ .
قُلْتُ لَهُ مُتَسَائِلًا "مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكَ ؟! "
أَخَذَ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَ شِمَالًا ، فَوَجَدَ فَتَاةً سَمِينَةً بَعْضَ الشَّيْءً ، ثُمَّ قَالَ :- خَسَارَةُ الْوَزْنِ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْخَسَارَاتِ رِبْحٌ. ثُمَّ اصْبَحْنَا نَبْتَسِمُ وَ سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ بِتَسْجِيلِ الْمُلَاحَظَةِ الْأُخْرَى وَ تَابَعْتُ الْمَسِيرَ ، وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ الْتَفَتَ يَمَنْتَا وَ يُسْرَا وَإِذْ أَرَى (أَنْجِيلَا دِيفِيسْ) ، كَانَتْ نَاشِطَةً فِي مَجَالِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْأَمْرِيكِيَّةِ ، فَيَلْسُوفَةِ ، وَ كَاتِبَةٍ إِنْسَانِيَّةٌ . بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي أَعْوَامِ 1980 وَ 1984 رَشَّحَتْ لِمَنْصِبِ نَائِبِ الرَّئِيسِ الْأَمْرِيكِيِّ بِالْحِزْبِ الْأَمْرِيكِيِّ الشُّيُوعِيِّ بِالْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ.
سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ إِلَيْهَا وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ شَاهَدْتُهَا تَنْظُرُ إِلَى طِفْلٍ صَغِيرٍ بِكُلِّ تَرْكِيزٍ ، اسْتَغْرَبْتُ وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْهَا سُؤَالِي الْمُعْتَادَ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكَ ؟! "
نَظَرْتُ إِلَيَّ و قَالَتْ :- اُنْظُرْ إِلَى ذَلِكَ الطِّفْلِ ، إِنَّهُ يُحَاوِلُ فِي حَلِّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الرِّيَاضِيَّةِ مَنْذُوَ سَاعَتَيْنِ وَالْآنَ اسْتَطَاعَ حَلَّهَا ، أَعْتَقِدُ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ خَسَارَةَ مَعْرَكَةٍ تُعْلِمُكَ كَيْفَ تَرْبَحُ الْحَرْبَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ وَ ذَهَبْتْ .
دَوَّنْتْ مُلَاحَظَتَهَا وَ جَلَسَتْ عَلَى الطَّاوِلَةِ. كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَأَنَا لِمَ انْتَبِهْ ، لِشِدَّةِ انْدِمَاجِي فِي إِعْدَادِ التَّقْرِيرِ ، مَا إِنْ انْتَبَهْتُ ، حَتَّى شَعَرْتُ بِالْإِحْرَاجِ ، وَأَخَذْتُ أَتَأَسَّفُ لَهُ عَنْ عَدَمِ انْتِبَاهِي لِذَلِكَ ، وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ؛ أَمْعَنْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ يُدْعَى " نَابِلْيُونْ بُونَابِرْتْ "إِمْبِرَاطُورْ عَامَ ،رَجُلِ دَوْلَةٍ عَسْكَرِيٍّ
"فَقُمْتْ بِسُؤَالِهِ عَلَى الْفَوْرِ " فَالْفُرْصَةُ لَنْ تَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ ؛ مَا مَفْهُومُ الْخَسَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لَكَ ؟ " نَظَرَ إِلَيَّ نَظْرَةٌ غَرِيبَةٌ وَ قَالَ " ابْتَعَدْ عَنْ كُلِّ مَا يُسَبِّبُ لَكَ خَسَارَةَ مِزَاجِكَ الْجَيِّدِ ، كَمَا حَصَلَ الْآنَ تَمَامًا " .
شَعَرْتُ غَيْرَ مُرَحَّبٍ بِي عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِذْ أَنَا كَذَلِكَ مُتَسَائِلًا لِمَاذَا انْزَعَجَ مِنْ وُجُودِي ؟ سَمِعَتُ أَصْوَاتُ جَمَاهِيرَ كَبِيرَةً وَإِذْ أَرَى " كِرِسْتِيَانُو رُونَالْدُو " أَمْسَكْتُ بِمُعَدَّاتِي عَلَى الْفَوْرِ ، نَظَرَ إِلَيَّ نَابِلْيُونْ وَقَالَ :- هَلْ أَنْتَ مِنْ مُحِبِّينَ "كِرِيسْتِيَانُو " ؟ قُلْتُ لَهُ :- لَا ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ بِالْإِجَابَةِ سُوءًا كُنْتُ مُحِبًّا أَوْ كَارِهًا، هَكَذَا هِيَ الصِّحَافَةُ ، وَ ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا وَ أَصْبَحْتْ أُزَاحِمُ هَذَا وَ ذَاكَ إِلَى أَنْ وَصَلْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ " مَا مَعْنَى الْخَسَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ ؟! "
أَجَابَنِي وَ صَدَمَنِي بِالْإِجَابَةِ " عِنْدَمَا تَفَقِدَ شَخْصًا تُحِبُّهُ كَثِيرًا ، مِنْ الصَّعْبِ تَجَاوُزُ تِلْكَ الْخَسَارَةِ." وَإِذْ أَسْمَعَ صَوْتَ الْمُنَبِّهِ ، كَانَ ذَلِكَ حُلْمًا وَ لَيْسَ حَقِيقَةً ، وَ لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ ٧:٣٠ص وَسَأَتَأَخَّرُ عَنْ عَمَلِي وَقَدْ أَفْصَلَ مِنْهُ ، وَإِذْ يَتَّصِلُ بِي مُدِيرِي وَ يُوبِخُنِي عَلَى التَّأْخِيرِ فَقُلْتُ لَهُ :- مُدِيرِي الْعَزِيزِ أَلَمْ تُسْمَعْ بِمَقُولَةِ " تَشِي جِيفَارَا" : كُلُّ النَّاسِ تَعْمَلُ وَ تَكُدُّ وَ تَنْشَطُ لِتَتَجَاوَزَ نَفْسَهَا ، لَكِنَّ الْهَدَفَ الْوَحِيدَ هُوَ الرِّبْحُ ، وَ أَنَا ضِدَّ الرِّبْحِ وَ مَعَ الْإِنْسَانِ ، مَاذَا يُفِيدُ الْمُجْتَمَعُ أَيَّ مُجْتَمَعٍ إِذَا رَبِحَ الْأَمْوَالَ وَ خَسِرَ الْإِنْسَانُ ؟.
رَدَّ عَلَى الْفَوْرِ قَائِلًا :- وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُوَظَّفُ الْعَزِيزُ أَلَمْ تُسْمَعْ بِمَقُولَةِ " مَارْتِينَا نَافْرَاتِيلُوفَا " : بِأَنَّ مَنْ قَالَ الْمُهِمُّ لَيْسَ الْمَكْسَبَ أَوْ الْخَسَارَةَ .. كَانَ فِي الْغَالِبِ خَاسِرًاً ".
قُلْتُ لَهُ :- بِالطَّبْعِ سَمِعْتُ وَ دَقَائِقَ سَأَكُونُ عَلَى رَأْسِ عَمَلِي .
لَا جَدْوَى مِنْ قَرَارٍ يُتَّخِذُ ضِدَّ تَيَّارِ الْحَيَاةِ ، الْمَسْأَلَةُ هِيَ كَيْفَ يَمْضِي التَّطَوُّرُ بِأَكْبَرِ فَائِدَةٍ وَ أَقَلِّ خَسَارَةً.
نَجِيبُ مَحْفُوظٍ