24 Jul
الكلمةُ  ليستْ سهماً ، لكِنّها تَخْرقُ القلب



هبة أحمد الحجاج 


في يومٍ من أيامِ الحجرِ الصحي في الكورونا ، قَررتُ أن أخرجَ في منتصفِ ليلةٍ من ليالي الصيفِ الجميلة إلى حديقةِ البناية ، لا أختلطُ بأحد وأبقى على مباعدةٍ بين الآخرين لأحمي نفسي وأحميهم من هذا الوباء.

أخذتُ كوبَ ” النسكافية ” والراديو وجلستُ في الحديقة ، اشعلتُ الراديو ولحسنِ الحظ ، كانتْ أغنية ميادة بسيليس ” ما في شي مستاهل ما في شي حرزان بكرى كل شي رايح نيالو الرضيان محلاك عم تضحك و لو قلبك زعلان ما هي أول مرة يعاندنا الزمان”

الأغنية كانتْ جميلةً جدًا ، كلماتها تُداعبُ المشاعر ، نعم لا يوجد شيء يستحق أن تزعل أو تغضب لأجله ، كل شيءٍ سيذهب وينتهي ، حتى أنت سيأتي عليكَ يومٌ وينتهي أجلك ، لماذا أحزن لماذا أغضب أو بالأحرى على من ؟! وهنا يجب أن تضعَ مئات الخطوط الحمراء “على من” ؟! يجب أن يكون عزيزًا أو غالي ، وحياتُك ستتوقفُ لأجله ، فقط هم اللذان يستحقانِ ذلك أبوك وأمك ، وهذانِ لن يجعلانك تبكي أو تغضب أو حتى تُنزل دمعة لأجلهم بل على العكس سيبكون ويغضبون ويُنّزلون الدموع لأجلك ، هل يوجد ؟! إذن لا، تابع المسير.

وبينما أنا أُردد  كلماتِ الأغنية ، إذ أسمعُ صوتَ فتاة من خلفِ نافذةِ غُرفتها ، تبكي وتصرخُ بسبب أن فتاةً قالتْ لها “أنتِ سمينة” ، بلُغتنا ” ناصحه ” وكانت في وضعٍ يُرثى له ” ماذا أفعل ، لم أترك طريقة ولا حمية ولا أي شيء ، لكن لا جدوى ، ماذا أفعل ؟ ماااذا أفعل ؟” وأخذت تندبُ حظها وكأن المجتمع لا يَقْبلُها .

فقط أُريد أن أسأل هذا الشخص أو هذه الشخصية ، ما الذي جنيتهُ بعد أن قلت ذلك؟ ماذا حققتِ من انتصارات بعد أن قلتي ذلك؟ هل معلومتَكِ أنقصتْ وزنكِ أم زادتْ وزنها؟ ” يا أخي يا أختي عيش وخلي الناس تعيش “.

وأنتِ أيتها الفتاةُ الغاضبة لماذا لا تقرئينَ  الأشعار ، لو أنكِ تقرَئِي لابتسمت ِوافتخرتِ بسمنتك ” نصاحتك”،

يقول الشاعر:

” للزيـن قالـوا مـن قديـم علامـات

عيـن ومبسـم والجسـم والرشاقـة

لكـن كسـر هالقاعـدة هالمتينـات

مـن واقـع ماهـو كـلام وبلااغـة

اللي محليهـن و لـو هـن ثقيـلات

دايـم خفـاف الـدم وفيهـن لباقـة

الله يـا هـن يـا جماعـه لطيفـات

وعلى الكـلام الحلـو فيهـن طلاقـه” .


أكملتُ سماعي لأُغنيتي المفضلة ” خلي كل شي ماشي

لا تصحي غفلان دخلك مين الكامل و مين المو غلطان

كل شي صاير قاسي ناقصنا حنان” . 


يااااااه ، كم يمتلك هذا المقطع الجميل الكثير الكثير من الحِكم ، نعم ، خلي كل شي ماشي ذكرني هذا المقطع بمَثل دائمًا أمي تُردده” إذا جيت مركب ساير لحقو دزه “.

اجعل الأمور تَسير لا تُوقف العجلة ، لا تَقف على كل شيء ، ساهم في الإعمار والإنجاز بشكلٍ سريع، لا تكن عنصر خامل فقط تعطي الطاقةَ السلبية للآخرين ، تذكرْ دائماً أيها المُنتقد الدائم لا يوجد إنسان كامل ، يجب أن نرفع لافتةً كبيرةً “للمحبطين والسلبيين وهؤلاء الأشخاص الذين يعتقدون أنهم كاملين ” من الشرق إلى الغرب من الشمال إلى الجنوب “مطلوب إنسان فينا خالي من العيوب “.

وإذ أسمعُ شابًا في مُقتَبلِ العمرِ يقول لي ” خالي من العيوب! لا تخفْ كُلُهم أنا أخذتُ عُيوبهم ، أنا الفاشل والعاطل وأنا وأنا وأنا …. إلخ.

قلتُ له ” لماذا تقولُ عن نَفسكَ فاشل” .

قال ” لستُ أنا بل هُم ، تخرجتُ من الجامعةِ بِتقدير إمتياز ذهبتُ هُنا وهُناك على قولتنا ” درت السبع دورات”

ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ أخرجُ كلَ يوم من السادسة صباحاً حتى الثانيةَ عشر ليلاً ، لم أجد وظيفة، قلْ لي ” ما الحل ”

هنا تبدأ الشتائم ، أنت فاشل ابن خالكَ موظف ، ابن عمك لديه سيارة ، ابن خالك تزوج ، أنت فاشل فاشل .

ذَكّرتني بأبياتِ شعرٍ تقول :

ما بعد الفشلِ إلا النجاح.


قالوا: البطولةُ في المضيِّ بلا قعودْ

وبأن تكونَ مهذَّبًا لم تقترف فعل الجحودْ

وبأن تكونَ من البدايةِ في التحدِّي والصمودْ

وتدوم تعرجُ في العلا لم تلتفت حتى تسودْ 


قلت: البطولةُ في النهوضِ من الرُّقودْ

وبأن تتوبَ من العيوب لكيْ تعودْ

وإذا فشلْتَ بدايةً.. أنجحت نفسك بالجهودْ

ومحوتَ إغْراقَ التدني بالتهيُّؤ للصعودْ

عدم وبعد فأنتَ تمرحُ في الوجودْ

هي أن تنجِّي القلبَ من أسر القُيودْ

هي أن تُوفِّيَ بعدَ خلفِك للعهودْ

هي أن تعودَ لكي تذودَ عن الحمى ولكي تقودْ


وبعدَ ذلك أخذنا نردد الأغنيةَ بشكلٍ عالٍ ومسموع وكأننا نُريد أن نُسمِع العالم بأسره:

” ضيعان هالعمر يروح

هيك ياضيعان

لا عين تشوف

و لا قلب يحزن

خلينا نعيش

بلا زعل أحسن” 


وأنتم تذكروا دائماً ” نُعيب زماننا والعيب فينا … وما لزماننا عيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب … ولو نطق الزمان لنا هجانا”



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.