استراحة مُحارب
هبة أحمد الحجاج
قد تكون الآن تقرأ وأنت تستغرب من عنوان المقال ، وتقول في نفسك ، ماذا تُريد من هذا العنوان ؟ هل ستجعلني أتخيلُ نفسي محارب ؟ الذي يحمل سيفًا على ظهره من جهةِ اليمين وفي الجهة المُقابلة قوس وجعبة سِهام، ومن الأمام يحتمي بدرعٍ قوي يمنع صدره من وصولِ السهام إليه ، ويمتطي فرسهُ تارةً يُسابق الريح وتارةً يتروى وكأنه يأخذُ الحيطةَ والحذر ، وعندما يقف في ساحةِ المعركة يقف بتأهب واستعداد وكأنهُ يقول للأعداء ” البقاء للأقوى ” ، هل تخيلتَ كل هذا؟ شكراً لك. والآن حان دوري لإلقاء السؤال عليك ” ولما لا؟! لماذا لا تكون كمثل ذلك الفارسِ الشجاع المقدام المغاور وتحارب بكلِ شجاعة عن أحلامك وآمالك و طموحاتك ، عن ماذا تريد ؟! وعن ما لا تريد ؟! عن ما كان بالإمكان ، وعن ماذا سيكون ؟! عن شغفك الذي تُريده ؟! عن أبسط أمور حياتك ، كأن تقول لا عن هذا الموضوع ، وأن تقول نعم لذاك ، والكثير الكثير من أمور حياتنا نحتاج فيها المحاربة بكل عزمٍ وإصرار لأننا وبكل بساطة نحن في حياةٍ يُطلق عليها ” الدنيا ” وفي هذه الحياة تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات ، تواجه الذي لا يستهويك والذي لا تحب أن تسمع حتى اسمه ، ترى الذي يمتع ناظريك وتُعجب به كثيراً، وترى الذي لا تطيق النظر حتى إليه ، تعجبك الملابس الفلانية أو حتى المطعم العلاني ولكنك لا تقوى على امتلاك تلك القطعة أو حتى دخول ذاك المطعم قد تتنهد وتقولُ في نفسك ” العين بصيرة واليد قصيرة “، ولكنك في المُقابل قد تلبس القطعة الفلانية التي لم تُعجبك وتدخل المطعم العلاني لأنهما مناسبين جداً من ناحية السعر، من باب ” على قد لحافك مد رجلك ” .
أنا لم أعرض لك سوى الجزيئات البسيطة التي تواجهنا في هذه الحياة ، قد تطبطب على نفسك وتقول ” لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا ” .
ولكني أُريد منك أن تكون محارباً بالفعل عندما ترى أن الأحزان والهموم والمصاعب والتحديات وظروف الحياة في الجهة المقابلة لك، وأنت تقفُ أمامها أريد منك أن تقف بكل عزيمة وإصرار، أن تكون قوي القلب قبل البدن، أن ترتدي درعك حتى يحميك من تسلل الهموم والأحزان إلى قلبك ويضعف قلبك وينتقل هذا الضعف إلى سائر الجسم وتخسر ، بل أريد منك أن تتذكر أن الدنيا ساحة حرب لا ينتصر فيها إلا الشجعان ، الذين يعرفون كيف يسيطرون على أحزانهم ومخاوفهم .
وبينما أنت تتفقد أسلحتك التي ستواجه بها هذه الحياة كالسيف والقوس ، وجعبة سهامك ورماحك وبندقيتك ، لا بد أن تضع مقولة دون خوان بين أم عينيك وتحفظها عن ظهر قلب ” الاختلاف الأساسي بين الشخص العادي والمحارب , أن المحارب ينظر إلى كل شيء باعتباره تحدياً , بينما الرجل العادي يعتبر كل شيء إما رحمة أو لعنة”.
والآن إياك أن تكون شخصاً عادياً بل أنت خُلقت مُحارب ، الهموم ستحاربها بسيفك الفتاك ، وتقطع رأسها بسيفك وكأنك تقطع حبل مشنقة قد التف حولَ عنق ذلك الشخص ويريد يقتله ، ولكن أنت أنقذتَ ذلك الشخص في الدقائق الأخيرة ، قد ترى جروح على عنقه من ذاك الحبل، لا عليك هذه الجروح ستلتئم ولن يبقى هذا الأثر ، أتعلم من الذي سيشنق؟ أنت ، والحبل هو الهم ، والجروح جروحك أنت التي تعرضتَ لها عندما كنت تُحارب الهموم. ولكن لا عليك ضمد جرح عنقك وأكمل معركتك .
والآن أترى من بعيد الأحزان كيف أنها تأتي إليك؟ يا إلهي كم هي سريعة وتريد أن تُصيبك ، أحسنتَ أيها الفارس المِغاوار أصبتها برمحك، لقد قتلتها ، قد تكون سرعة ريحها مزقت سترتك، لا عليك ولكنها لم تصيبك بل انتصرت عليها .
أترى ما أرى ؟ إنهم يعلقون هدفك ولكنه بعيد، بعيد جداً ماذا ستفعل ؟ هل تستخدم القوس؟ حسناً هيا يا بطل ، لا عليك حاول مرةً ثانية ، حاول مرةً ثالثة ، حاول ،حاول أنت على وشك أن تُصيب الهدف ، نعم نعم أصبت الهدف وأخيراً ، هذه الدنيا ساحة حرب يحتفل فيها الشجعان بانتصاراتهم ،بينما يحيا الجُبناء فيها مع عار الهزيمة .
والآن أرى أنك منهك من التعب، لا عليك ، خذ استراحتك أيها المحارب والفارس المغوار، ضمد جروحك، أعدّ أسلحتك من جديد ، خطط من جديد ، رتب أولوياتك ، ولا تنسى معركتك في هذه الحياة ، وفي هذه الاستراحة تذكر هذه المقولة ورددها جيداً “كُلنا مُحارب في معركة الحياة ولكن بعضنا يقود وبعضنا يُقاد”.