17 Oct
إحنَا واحد مَحنا اثنين


 إحنَا واحد مَحنا اثنين


هبة أحمد الحجاج


يومٌ كأي يومٍ اعتِيادي ، نشرتْ الشمسُ خُيوطها الذَهبية لتُعلن للعالمِ بأجمَعه أنّ هَذا اليوم قدْ بَدأ .

فَليستعدْ كلٌ منّا من أطفالٍ و شبانٍ و شاباتٍ وكبارِ السن للبدءِ منْ جَديد ، لِلكفاحِ والعَمل والاجتِهاد بِما قَررنا ورَسمّنا عَليهِ منْ أهدَافٍ قبلَ أنْ نَضعَ رَأسنا عَلى الوِسَادة وهَا قدْ أتتْ الشمسُ لِكي تَقول لَنا “حانَ الوقتْ لِتحقيقِ ما رَسمتُم منْ أهدافٍ وطمُوحاتٍ والعَملِ عليها “.

استيقظتُ عَلى الفورِ وقمتُ بإعدادِ فنجانِ القَهوة والذي لا بُد مِنه حَتى نستطيعَ أن نَبدأَ يومنا بِنشاط .

وأنا أقُوم بإعدادِها تَخيلتُ شرِيطي اليَومي المُعتاد”الرُوتين اليومي ” نذهبُ إلى العملِ ، نُنجز مَهامنا ،ثُم نعودُ إلى بُيوتنا ومنْ بَعدها نَجلس مَع العائِلة أو نَتنزه مَع الأصدِقاء وهَكذا تَمر الأيام .ولكِني شَجعتُ نفسي وقلت: يجبُ أن نتعبَ في هذهِ المَرحلة نحنُ في مَرحلةِ الزَرع ومَرحلة الحَصاد لَم تَأتي بَعد، سَنحصدُ نَجاحنا وتَعبنا وكُل مَا بَذلنا لهُ منَ الجُهد .

ارتشفتُ فنجانَ القَهوةِ بشكلٍ سَريع و نَزلتُ الدرجَ مُهرولًا أُسابقُ الزَمن، لفتَ نَظري فَتاةٌ صَغيرةٌ تُمسكُ بِيدها كِتاب بِعنوان ” الاجتِماعِيات ” كَانتْ تملأُ عَينيها تَساؤُلات وكَأنها تَقول “تُريدُ أن تَكونَ مُبدعاً في هذهِ الحَياة أولُ خُطوة، أحتَكَ بالنَاجِحين وأستَمع لِأفكارِهم وحَاورهُم،هذهِ أولُ خطوةٍ للنَجاح”.

ثُم نَظرتْ إلى جَدتها التِي كانتْ تَرتدي الزّي التُراثي الذي يَرتديهِ #الأردنِيون، ويُمثل جزءًا مُهماً منْ #تاريخِ وهَوية وثقافةِ #الشعب الأُردني ونِتاجهُ الحَضاري عَبر القُرون.و تَتميزُ الأزياءُ الأردنيةُ بأصَالتِها وبتَنوعها الكَبير جِداً وخُصوصاً النِسائية مِنها نَظراً لتنوعِ جُغرافية الأُردن، كما تتميزُ هذهِ الأزياء بِصناعتِها اليَدويةِ المُتقنة وزَخارفها المَبنيةِ على التَاريخ والمُعتقداتِ والبِيئةِ الأُردنية.

وكانتْ تجلسُ ” جَدتها الثَانية ” معَ جدتِها الأُولى وكانتْ تَرتدي الثَوب الفَلسطيني (الزي الفلسطِيني ) في الأصلِ إرثٌ كنْعاني، مُنذ برعَ الكنعانِيون القُدماء في صِباغة الأنسِجة القُطنية والصُوفية بِما فِيها المَلابس وهُو وصِيةٌ حافظتْ عَليها الأجْيالُ وتَناقلها الأبناءُ عنِ الأباءِ بالشكلِ واللّونِ الذي يُضفي الصِفة الكَنعانية على الثوبِ الفَلسطيني .

فذهبتْ مسرعةً وألقتْ عَليهنّ سُؤال : حَدثوني عنْ فلَسطين ؟!

قالتْ لها جَدتها: #فلسطين يا بنَيتي هي مَهبطُ الدِيانات السَماوية ويُوجد بِها #المسجد #الأقصى؛أولى القِبلتين وثالثُ الحَرمين فَهي لهَا صِفةٌ عظيمةٌ بالنسبةِ لمَوقعها الجُغرافي، فَهو بمثابةِ مَوقع مَركزي للعالمِ فهي حلقةُ الوصلِ بينَ القاراتِ الثَلاثة: آسّيا وأفرِيقيا وأورُوبا.

ومنْ ثُم أكملتْ جَدتها الثَانية قائلَة : فِلسطين هي قلبُ العَرب وهي التي تفوحُ منْها القُوة والشجاعةُ والتَضحية وحبِ الوطَن، فتجدُ أبنَاءها يُضحون بدِمائهم وأرواحِهم وأنفُسهم في سَبيلها، فلسطِين هي مُلهمةُ الأُدباء والحُكماء وهي منْ تَغنى بها الشُعراء ونُظِم فِيها أجملُ الأشعَار.

ابتسمتُ وقلتُ في نَفسي “على رأي المَثل كُون نسيب ولا تكُن قَريب ” ثُم نظرتُ لهم وقلتْ “صباحُ النسبِ الجَميل” .

وذهبتُ على الفورِ لأقومَ بِتغطيةِ فَعالية ” مُسابقةٌ فنيةٌ للرَسامين المُبدعين للأطّفال ” وعِندما وصلتُ رأيتُ طِفلين صَغيرين يَقومان برسمِ أعلامِ ” #الأُردن وفِلسطين ” .

أوقَفتني جُملةٌ بسيطةٌ قالها طفلٌ صغيرٌ لكِنها منْ شدةِ بَساطتها تُفرح القلبَ وتُبهج الصَدر ” عَلمنا بِنفس الألّوان “. ابتسمَ صديقهُ وأخَذا يَرسما الأعلام وعِندما أوشَكا على الإنْتهاء تَبقى أنْ يَضعا النَجمة السباعيةُ على العلمِ الأُردني، فقامَ الطفلُ الفَلسطيني بِمُعاونة صَديقه الأُردني برسمِ النجمةِ السُباعية على العلمِ الأُردني ، وعِندما انتهيا رَفعا أعلامَ بِلادهما عالياً وصَرخا بأعلى صَوت : لقدْ فُزنا حَصلنا على المركزِ الأولِ بإنجازِ المَهمة، وتَقاسما الجَائزة بَينهما بكلِ سُرور .

هَنأتُهما على النجاحِ والجائزةِ وقلتُ لهما ” يظلّ الأُخوة مع بعضِهم البَعض، يتشاركُون كُل شيءٍ منذُ بدايةِ الحياةِ وإلى الأبَد، وهذا الشيءُ لا مفرّ مِنه”.

وعِندما أردتُ أن أُكمل مَسيري في العملِ وأقومُ بتغطيةِ الأحداثِ والفَعاليات حَدث مَالم يكنْ بالحسبانِ ” تعطلتْ السّيارة ” أعتقدُ أنكم شَعرتم بِمعاناتي،تذكرتُ أغنيةَ فيروز عِندما غنتْ “هالسيارة مش عم تمشي بدها حدًا يدفشها دفشه ” .

ولكنْ يا فَيروز حَتى ” الدفشة ” لمْ تَفي بالغَرض ،تركتُها وذهبتُ على الفورِ حتى أُكمل تَغطية الفَعالياتِ والأحدَاث. ركبتُ بالمُواصلاتِ وإذ يَتحدثُون على الراديو عنْ فِلَسطين والأحداثِ التي تَحصلُ فيها، وأصبَحنا كُلنا بِلا استِثناء نَدعو لَهم ونَقول : الّلهُم انصرْ أهلنا في فِلسطِين و في المَسجدِ الأقصَى المُبارك.

‏الّلهُم إنا نَستودعك أهلَ فِلسطين ، الّلهُم ثبتّهم واجعل لَهم النّصرة والقُوة و العِزة،يانارُ كُوني بردًا وسـَلامًاعلى فِلسطين وأهلِ فلسطين،الّلهُم إنّا نَستودعُك فلَسطين نِساؤها وأطفَالها كِبارها وصِغارها شُبّانها وشِيبانها ،

‏ارْحم شُهدائهم يارَبّ العَالمِين.

وكُلنا أجْمعنا على كلمةٍ واحدةٍ ” الأُردن وطَني وفِلسطِين قَضيتي ” .

وصلتُ إلى الفَعالية الصّيفية التي كانتْ بِعنوان (واجا الصيف) ووضعتُ الكامِيرا في منتصفِ الحَدث .

كانتْ هذهِ الفَعالِية تَنشرُ جوًا منَ البهجةِ والسُرور، وتُعطي طاقةً إيجابيّةً لمنْ يجلسُوا فِيها، خُصوصًا أنّها كانتْ مُنسّقةً تَنسيقًا جميلًا منَ النباتاتِ والأزهارِ والأشّجار، وتُعطي جوًا مِثاليًا للجلوسِ في سكينةٍ للاستمتاعِ بِنسمات الهواءِ وسطَ الهُدوء البَعيد عنْ صَخَب الحياةِ وصوتِ زَوامير السَيارات، كَما أنّها المكانُ المُناسبُ لقضاءِ الأوقاتِ المُمتعة برفقةِ العائلةِ والأصْدقاء.

هُناك منْ كان يقرأُ كتاباً وهُناك أطفالاً يَتراكضُون هُنا وهُناك مُستمتعين بالأجواءِ الجَميلة، وهؤلاءِ الأصدِقاءُ يَتمازحون ويضْحَكون ويتَذكرون الذِكريات الجَميلة،والكثيرَ الكثيرَ منَ الأحداثِ الّلطيفةِ والجَميلة .

وفي ظلِ هذهِ الأجواءِ الرائعةِ وإذ يُغني عُمر العبداللات ويَقول :

ع المجوز ندبك ونطيح ‎فـلسطينية مــا نطيح ‎ع المجوز ندبك ونطيح ،‎فلسطينية ما نطيح،‎روسنا بالعلالي،‎ويـــا جبل مـــا يهزك ريــــح،‎مين احنا،‎فلسطينيه،‎وعزتنا،‎فلسطينية،‎مين احنا،‎فلسطينية،‎والكوفيه،‎فلسطينيه،‎وروسنا بالعالالي


وقَام قاسمُ النّجار بالردِ عَليه وغنى :

أردني وعالي الجبين مثل الصخرة ما بلين .. شعبنا وشعبك يا أردن شعب واحد مو شعبين .. حيا الله يا أردنية .. عراسي يا أردنية، ومنحبكم يا أردنية .. شعبنا وشعبك يا الأردن شعب واحد مو شعبين.


فَتشابكتْ أيَادي الشَعبيين معَ بعضِهم البَعض وكَأنهم يدٌ واحدةٌ دمُ ورِيدهِ بِدم وريدِ الآخرِ تعبيراً عنْ الوِحدة والتَضامن، وأخَذوا يَضرِبون بأرّجُلهم الأرضَ بصوتٍ عالٍ مُترافقٍ معَ الغِناء والعَزف،وهذا وإنْ دلَ فإنهُ يدُل على العُنفوانِ والرُجولة والإصّرار، ويُرافقُ تِلك الرقصةِ الجَماعيةِ أغانٍ تُؤكد على عُمقِ الانتماءِ لِلأرض .

وارتسمتْ على مَلامحهُم الفرحَ والسُرور والابْتِهاج، وفي ظِل هَذا المَنظر الرَائع، تَركتُ الصُورة تتحدثُ وخَتمتُها بقولٍ منْ أقوالِ جلالةِ المَلكِ الراحلِ الحُسين بنْ طَلال رحمهُ الله :

‏”الحقيقةُ هي أنّ الأُرّدن هي فِلسطين وفلَسطين هي الأُردن”.



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.