17 Oct
أَنْتَ قِصَّةٌ


 أَنْتَ قِصَّةٌ


هْبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ


يَقُولُ الْمَثَلُ الشَّهِيرُ” طُبُّ الْجَرَّةِ عَلَى تُمِّهَا الْبِنْت بِتَطَلع لأُمِّهَا” ، وَ هَذِهِ الْمَقُولَةُ أَثَّرَتْ فِينَا بِشَكْلٍ أَوْ بِأُخَرَ ، فَالْكَثِيرُ مِنَّا يَرَى أَنَّ الْبِنْتَ لَيْسَتْ إِلّا نُسْخَةَ طبْقِ الْأَصْلِ مِنْ أُمِّهَا فِي التَّصَرُّفَاتِ وَ الطِّبَاعِ .

وَ الْكَثِيرُ الْكَثِيرُ مِنْ الْآخَرِينَ الَّذِينَ أَيَّدُوا هَذِهِ الْمَقُولَةَ وَ مَنْ ضِمْنِهِمْ تِلْكَ الْفَتَاةُ الَّتِي قَابَلْتُهَا فِي الْمَكْتَبَةِ . رَأَيْتُهَا تَبْحَثُ عَنْ قِصَصٍ تَقْرَأُها لِطِفْلَتِهَا ، وَ تَقُولُ هَذِهِ الْعَادَةُ وَرِثَتْهَا مِنْ وَالِدَتِهَا عِنْدَمَا كَانَتْ صَغِيرَةً ، فَكَانَتْ تُقْرَأُ لَهَا الْقِصَصُ عِنْدَمَا تَذْهَبُ إِلَى النَّوْمِ . وَ أَيَّدَتْ أَنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ نَاجِحَةٌ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ . وَ قَالَتْ :- إنُ حَاجَة الطِّفْلِ إِلَى الْقِصَصِ تَرْقَى إِلَى مُسْتَوَى حَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ، وَ تَتَضَخَّمُ كَالْجُوعِ تَمَامًاً.

بُولْ أُوسْتِرْ.

يَاااااهْ .. أَعَادَتْ إِلَيَّ ذِكْرَيَاتُ الزَّمَنِ الْجَمِيلِ ، تَذَكَّرَتُ وَالِدَتِي وَهِيَ تَقْرَأُ لِي الْقِصَصَ عِنْدَمَا كُنْتُ طِفْلَةً صَغِيرَةً

وَ كَانَتْ طَرِيقَةٌ فِي غَايَةِ الرَّوْعَةِ حَيْثُ أَنَّنِي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَقْضِي مَعَ وَالِدَتِي بَعْضَ الْوَقْتِ وَ اتَّوَاصُلِ مَعَهَا دُونَ أَيِّ شرود في ذهن هَذِهِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ..قِرَاءَةُ الْقِصَصِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَ الْمُخْتَلِفَةُ تَجْعَلُ الْأَطْفَالَ قَادِرِينَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَيَاةِ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ، مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى زِيَادَةِ التَّعَاطُفِ وَ التَّفَاهُمِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. كَمَا تَفْتَحُ الْكُتُبُ …عَوَالِمَ وَ دُوَلًا وَ ثَقَافَاتٍ وَ أَنْمَاطَ حَيَاةٍ وَ مُغَامَرَاتٍ جَدِيدَةٍ قَدْ لَا يَعْرِفُهَا الطِّفْلُ أَبَدًا.

أَوَدُ أَنْ أَقُولَ أَعْظَمَ كِتَابٍ قَرَأْتُهُ : أُمِّي.

وَلَكِنَّ أُمِّي لَمْ يَتَّسِعْ لَهَا الْوَقْتُ ، أَوْ أَنَّهَا آثَرَتْ أَنْ أَكْتَشِفَ مَقُولَةَ رُونْدَا بِيرْنْ بِنَفْسِي حَيْثُ قَالَتْ ” أنتْ مُصَمِّمَ مَصِيرِكِ ، أنتْ الْمُؤَلِّفِ، أنتْ كَاتِبُ الْقِصَّةِ ، الْقَلَمُ بَيْنَ أَصَابِعِكَ .وَالْمُحَصِّلَةُ مَا تَخْتَارُهُ أنتْ” .

أَيْقَنْتُ حِينَهَا أَنَّنِي ” قِصَّةُ ” وَلِيِّ الْخِيَارِ الْكَامِلِ إِمَّا أَنْ أَكُونَ ” بَطَلَ قِصَّتِي” أَوْ أَلْعَبُ دَوْرَ كُومْبَارِس ؛وَ الْكُومُبَارِسِ صَاحِبِ الدَوْرِ الْأَقَلِّ مِنْ الثَّانَوِيِّ فِي الفِيلْمٍ أَوْ الْمُسَلْسَلِ حيث يَقُومُونَ بتَمْثِيلِ هَذَا الدَّوْرِ لَا يَكُونُ لَهُمْ تَأْثِيرٌ عَلَى الْفِيلْمِ، فَقَطْ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ كَانَ فِي الْفِيلْمِ أَوْ الْمُسَلْسَلِ . وَ إنَّهُ مُحْزِنٌ لِلْغَايَةِ أَنْ تَلْعَبَ دَوْرُ الْكُومُبَارِسِ فِي قِصَّتِكَ أَنْتَ .

مِنْ مِنَّا لَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَطَلُ أَوْ الْبَطَلَةُ فِي كُلِّ شَيٍّ .

عِنْدَمَا كُنْتُ طِفْلًا دَائِمًا تُرِيدُ أَنْ تَفُوزَ فِي أَيِّ لُعْبَةٍ وَ أنّ تَحْصُلَ عَلَى الْمَرْكَزِ الْأَوَّلِ فِي كُرَةِ الْقَدَمِ ، فِي التِّنِسِ ، فِي السِّبَاحَةِ فِي أَيِّ شَيْءٍ.

و عندما دَخَلَتْ فِي الْمَرْحَلَةِ الدِّرَاسِيَّةِ ، كُنْت تُرِيدُ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى الْمَرْكَزِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْمَرَاحِلِ ، تَشْعُرُ أَنَّكَ حَقَّقْتَ ذَاتَكَ ، أَنَّكَ أنتَ الَّذِي يُعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَكُنْتَ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْمَسْؤُولِيَّةِ.

عِنْدَمَا دَخَلَتْ فِي سُوقِ الْعَمَلِ كَانَ أَكْبَرَ طُمُوحَاتِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَوَّلُ فِي مَجَالِكَ . أَنْ تَسْعَى بِشَتَّى الطُّرُقِ وَ الْوَسَائِلِ ، أَنْ تَكُونَ أَنْتَ الْمُنَجِّزُ وَ الَّذِي يُقْتَدَى بِكَ فِي الْحَيَاةِ ، وَ الْمَثَلُ الَّذِي يُضْرِبُ بِهِ بَيْنَ أَقْرَانِهِ .

مَنْ مِنَّا لَا يَعْشَقُ الْبُطُولَةَ ، تَخَيَّلْ مَعِي قَلِيلًا ، عِنْدَمَا تُشَاهِدُ فِيلْمَ / مُسَلْسَلٌ أَوْ حَتَّى مَسْرَحِيَّةٌ فَإِنَّ انْتِبَاهَكَ يَبْقَى مَعَ الْبَطَلِ وَ تَبْقَى تَتَسَاءَلُ مَاذَا سَيَفْعَلُ الْبَطَلُ ؟! كَيْفَ يَتَصَرَّفُ الْبَطَلُ ؟! الْبَطَلُ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ كَهَذَا ؟! وَ الْكَثِيرُ مِنْ التَّسْأُولَاتِ.وَ لَكِنَّكَ لَمْ تُفَكِّرْ حَتَّى هَذِهِ اللَّحْظَةِ فِي الْكُومْبَارْسِ .

فُدَوْرُ الْبُطُولَةِ هُوَ كَائِنٌ اسْتِثْنَائِيٌّ يَخْتَلِفُ عَنْ الْبَشَرِ عَامَّةً بِصِفَاتِهِ أَوْ بِأَعْمَالِهِ. وَهُوَ التَّعْبِيرُ الْمِثَالِيُّ عَنْ حُلْمِ الْإِنْسَانِ بِالتَّفَوُّقِ عَلَى الْقُدُرَاتِ الْمَحْدُودَةِ لِلْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ. أَمَّا عَلَى مُسْتَوَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الْبَطَلَ يُجَسِّدُ مَنْظُومَةً مِنْ الْقِيَمِ تَسْعَى جَمَاعَةٌ مَا لِتَثْبِيتِهَا وَتَعْزِيزِهَا، وَ لِذَلِكَ حَظَى بِمَكَانَةٍ كَبِيرَةٍ فِي الْمُمَارَسَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَ الدِّينِيَّةِ فِي كُلِّ الْحَضَارَاتِ. وَقَدْ أَعْطَتْهُ طُقُوسُ الِاحْتِرَامِ تَفَرُّدًا وَ جُعِلَتْ مِنْهُ قِيمَةَ مُثْلَى وَ نَمُوذَجًا يُحْتَذَى بِهِ ، وَفِي الِاسْتِخْدَامِ الشَّائِعِ رَمْزًا لِلْإِنْجَازِ ، الْمُتَفَوِّقِ فِي أَيِّ مَجَالٍ.

وَ الْآنَ حَتَّى تَكُونَ بَطَلَ أَوْ بَطَلَةً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيْكَ طُمُوحَاتٌ وَ أَحْلَامٌ تُرِيدُ تَحْقِيقَهَا، لَكِنْ رُبَّمَا تَكُونُ لم تَجِيدْ الطَّرِيقَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي يَتَطَلَّبُهَا ذَلِكَ، أَوْ لَا تُجِيدُهَا فَتَدَعُ كُلَّ الْأُمُورِ يَتَحَكَّمُ فِيهَا الْآخَرِينَ. كَمَا أَنَّ طَرِيقَتَكَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ صَائِبَةً فَتُسَهِّلُ عَلَيْكَ الْحَيَاةُ أَوْ خَاطِئَةً فَتَشْقَى عَلَيْكَ الْحَيَاةُ. وَ مِنْ خِلَالِ هَذَا الْمَقَالِ سَيَتِمُّ مُعَالَجَةُ الْعَلَامَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّنَا نَسِيرُ فِي الِاتِّجَاهِ الْخَاطِئِ :


1- لَسْتَ أَنْتَ مَنْ يَتَّخِذُ قَرَارَاتِكَ.

لَا يَجِبُ أَنْ تَتَحَوَّلَ حَيَاتُكَ إِلَى تَقْلِيدٍ لِحَيَاةِ الْآخَرِينَ. فَحَيَاتُكَ يَجِبُ أَنْ تَعِيشَهَا أَنْتَ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا. لَابَأَسْ فِي أُولَى خُطُوَاتِكَ أَنْ تَسْعَى لِتَقَفِّي أَثَرِ أَحَدِ النَّاجِحِينَ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَجِدَ أُسْلُوبَكَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ. كَمَا أَنَّ قَرَارَتَكَ يَجِبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِيهَا أَنْتَ وَ لَا تَدَعُ الْآخَرِينَ يَخْتَارُونَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَرْغَبُ أَنْتَ فِيهَا


1- لَسْتَ أَنْتَ مَنْ يَتَّخِذُ قَرَارَاتِكَ.

لَا يَجِبُ أَنْ تَتَحَوَّلَ حَيَاتُكَ إِلَى تَقْلِيدٍ لِحَيَاةِ الْآخَرِينَ. فَحَيَاتُكَ يَجِبُ أَنْ تَعِيشَهَا أَنْتَ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا. لَابَأَسْ فِي أُولَى خُطُوَاتِكَ أَنْ تَسْعَى لِتَقَفِّي أَثَرِ أَحَدِ النَّاجِحِينَ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَجِدَ أُسْلُوبَكَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ. كَمَا أَنَّ قَرَارَتَكَ يَجِبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِيهَا أَنْتَ وَ لَا تَدَعُ الْآخَرِينَ يَخْتَارُونَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَرْغَبُ أَنْتَ فِيهَا


3- جَهْدُكَ لَا يَأْتِي بِنَتَائِجَ .

إِذَا وُجِدْتَ بِأَنَّ نَتَائِجَكَ صِفْرٌ مِنْ الْمَجْهُودِ الْمُضْنِي الَّذِي تَقُومُ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْكَ إِعَادَةُ النَّظَرِ فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي تَشْتَغِلُ بِهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا دُونَ جَدْوَى، فَكِّرَ جَيِّدًا فَالْأَخْطَاءُ دَائِمًا تَكُونُ فِي التَّفَاصِيلِ.


4- لَا تُنْهِي مَشَارِيعُكَ .

حَسْبَ دِرَاسَاتٍ فِي عِلْمِ النَّفْسِ أَكَّدَتْ بِأَنَّ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ غَالِبًا مَا يَمِيلُ إِلَى تَذَكُّرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يُنْهِيْهَا، فَتَبْقَى عَالِقَةً فِي الذِّهْنِ، مِمَّا يُسَبِّبُ تَشْوِيشًا. لِذَلِكَ لَا تُحَاوِلُ الْبَدْءَ فِي عَمَلٍ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ مِنْ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ. فَتَبْقَى نَصِيحَةٌ لَا تُؤَجِّلُ عَمَلَ الْيَوْمِ إِلَى الْغَدِ خَالِدَةً.


5- لَا تُنَظَّمُ أَوْقَاتُكَ وَ أَوْلَوِيَّاتِكَ.

حَاوَلَ التَّوْفِيقَ دَائِمًا بَيْنَ شُغْلِكَ وَ حَيَاتِكَ الْخَاصَّةِ، فَلَا تَقْطَعْ صِلْتَكَ بِأَفْرَادِ عَائِلَتِكَ وَأَصْدِقَائِكَ، فَهُمْ مَنْ سَيَكُونُ سَنَدًا وَ عَوْنًا لَكَ فِي حَالَاتِ ضَعْفِكَ. كُنْ سَنَدًا لَهُمْ فِي رِخَائِكَ سَيَكُونُونَ عَوْنًا لَكَ فِي شِدَّتِكَ.


6- جَعَلْتَ مِنْ حَيَاتِكَ قِصَّةً دِرَامِيَّةً حَزِينَةً.

لَا تَجْعَلْ مِنْ حَيَاتِكَ قِصَّةً دِرَامِيَّةً، مَلِيئَةً بِالْأَحْزَانِ الَّتِي لَا تَنْتَهِي أَبَدًا. تَنْتَهِي قِصَّةٌ تَبْدَأُ قِصَّةً جَدِيدَةً. أَنْظُرُ دَائِمًا إِلَى الْأَشْيَاءِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي سَتَحْصُلُ إِذَا حَقَّقَتْهَا. وَ اسْعَ جَاهِدًا لِتَحْقِيقِهَا.


وَفِي النِّهَايَةِ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ قَوْلَ عَبْدِهِ خَالٍ ” اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ الْقَصَصِ وَ إِنْ تَشَابَهَتْ فِي تَفَاصِيلِهَا، إلَا أَنَّ لَهَا طَعْمًا خَاصًّا عِنْدَ صَاحِبِهَا”.

وَ لَا تَنْسَى ” الْقِصَّةُ الْجَيِّدَةُ لَا تَمُوتُ ” .

رُوبِرْتَا وِلْيَامْزْ‬



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.