18 Oct
أُُمِيٌّ  ” مُحَمَد ﷺ” .. و أَعْجَزَ العَالَمَ 


      أُُمِيٌّ  ” مُحَمَد ﷺ” .. و أَعْجَزَ العَالَمَ 


الْكَاتِبَةُ: هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ


ذَاتِ مَرَّةٍ ،  لَفَتْ نَظَرِي صَحَفِيَّةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى طَاوِلَةِ الْمَطْعَمِ ، مَكْتُوبَةً بِعُنْوَانٍ بِالْخَطِّ الْعَرِيضِ ” آرَاءُ الْمُسْتَشْرِقِينَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” انْتَابَنِي الْفُضُولُ كَيْ أَعْرِفَ مَاذَا يَقُولُونَ !!


سَارَعَتْ بِفَتْحِ الصَّحِيفَةِ وَأَخَذْتُ أَقْرَأُ ، رَأْيًا تِلِّوَ الْآخَرِ ، مِنْ ضِمْنِ هَذِهِ الْآرَاءِ ؛ كَانَ يَقُولُ الْمُسْتَشْرِقُ الْإِنْجِلِيزِيُّ إِدْوَرْدْ وِلِيمْ لِينْ :

“النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ” ﷺ “جَاءَ بِالْأَخْلَاقِ، وَهِيَ أَخْلَاقٌ عَاشَتْ وَسَتَظَلُّ


“النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ” ﷺ “جَاءَ بِالْأَخْلَاقِ، وَهِيَ أَخْلَاقٌ عَاشَتْ وَسَتُظَلُّ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ قَائِمَةٌ وَلَنْ يَنَالَ الْمُغْرِضُونَ الْكَارِهُونَ لِنَبِيِّ الْإِسْلَامِ مِنْهُ شَيْئًا وَسَيَظَلُّ الْإِسْلَامُ شَامِخًا بِقُرْآنِهِ وَبِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ “ﷺ “رَغْمَ أَنْفِ الْكَارِهِينَ.”


وَ بُوسُورْثْ سِمِيثْ:


قَالَ فِي كِتَابِهِ “مُحَمَّدٌ وَالْمُحَمَّدِيَّةُ” : لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَائِدًا سِيَاسِيًّا وَزَعِيمًا دِينِيًّا فِي آنٍ وَاحِدٍ . لَكِنْ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ عَجْرَفَةُ رِجَالِ الدِّينِ، كَمَا لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ فَيَالِقُ مِثْلُ الْقَيَاصِرَةِ. وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جُيُوشٌ مَجِيشَةٌ أَوْ حَرَسٌ خَاصٌّ أَوْ قَصْرٌ مَشِيدٍ أَوْ عَائِدٍ ثَابِتٍ…


سَانْتْ هِيلَرْ يَقُولُ :


كَانَ مُحَمَّدٌ رَئِيسًا لِلدَّوْلَةِ وَسَاهِرًا عَلَى حَيَاةِ الشَّعْبِ وَحُرِّيَّتِهِ ،  وَإِنَّ فِي شَخْصِيَّتِهِ صِفَتَيْنِ هُمَا مِنْ أَجْلّ الصِّفَاتِ الَّتِي تَحْمِلُهَا النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ وَهُمَا ” الْعَدَالَةُ وَالرَّحْمَةُ “.


إِذَا مَا حَكَمْنَا عَلَى الْعَظَمَةِ بِمَا كَانَ لِلْعَظِيمِ مِنْ أَثَرٍ فِي النَّاسِ، قُلْنَا إِنَّ مُحَمَّدًا كَانَ مِنْ أَعْظَمِ عُظَمَاءِ التَّارِيخِ، فَقَدْ أَخَذَ عَلَى عَاتِقِهِ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْتَوَى الرُّوحِيَّ وَالْأَخْلَاقِيَّ لِشَعْبٍ أَلْقَتْ بِهِ فِي دَيَاجِيرَ الْهَمَجِيَّةِ حَرَارَةَ الْجَوِّ وَجَدْبِ الصَّحْرَاءِ، وَقَدْ نَجَحَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْغَرَضِ نَجَاحًا لَمْ يُدَانِهِ فِيهِ أَيُّ مُصْلِحٍ آخَرَ فِي التَّارِيخِ كُلِّهِ، وَقَلّ أَنْ نَجِدَ إِنْسَانًا غَيْرَهُ حَقَّقَ مَا كَانَ يَحْلُمُ بِهِ” .


أَمَّا مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْمُسْتَشْرِقِ الْكَنَدِيِّ “زُوَيْمِرْ”:


“إِنَّ مُحَمَّدًاً كَانَ وَلَا شَكَّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُوَّادِ الْمُسْلِمِينَ الدِّينِيِّينَ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أَيْضًاً بِأَنَّهُ كَانَ مُصْلِحًاً قَدِيرًاً، وَبَلِيغًاً فَصِيحًاً، وَجَرِيئًاً مِغْوَارًاً وَمُفَكِّرًاً عَظِيمًاً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَنْسُبَ إِلَيْهِ مَا يُنَافِي هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا قُرْآنُهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَتَارِيخُهُ يَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ هَذَا الِادِّعَاءِ”.


أَمَّا فِي عُيُونِ الْكَاتِبِ الْإِنْجِلِيزِيِّ ” لِيُو تُولِسْتُويْ”  ؛ النَّبِيُّ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كِتَابِهِ “حِكَمَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ” بِأَنَّهُ مُؤَسِّسُ دِينٍ وَنَبِيُّ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَدِينُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِئَتَيْ مِلْيُونِ إِنْسَانٍ وَقَامَ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ بِهِدَايَتِهِ وَثَنِيِّينَ قَضَوْا حَيَاتَهُمْ فِي الْحُرُوبِ وَسَفَكَ الدِّمَاءِ فَأَنَارَ أَبْصَارَهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَأَعْلَنَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ مُتَسَاوُونَ أَمَامَ اللَّهِ .


أَمَّا الْمُسْتَشْرِقُ الْفَرَنْسِيُّ ||كِلِيمَانْ هُوَّارْ || : مُتَعَجِّبًا ،  لَقَدْ كُنْتُ أَشُكُّ فِي صِدْقِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ، حَتَّى قَرَأْتُ فِي جَمِيعِ السَّيْرِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِفْظِ وَعِصْمَةُ النَّبِيِّ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَوَعَدَ اللَّهُ لَهُ بِأَنَّهُ سَيَتَوَلَّى حِرَاسَتَهُ، بَادَرَ مُحَمَّدٌ إِلَى صَرْفِ حُرَّاسِهِ، وَلَوْ كَانَ لِهَذَا الْوَحْيِ مَصْدَرُ غَيْرِ اللَّهِ لَأَبْقَى مُحَمَّدٌ عَلَى حَرَسِهِ” .


كِتَابُ “تَارِيخُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ” لِسَانْتْ هِيلَرْ”


“إِذَا نَحْنُ نَظَرْنَا إِلَى مُحَمَّدٍ – صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  مِنْ خِلَالِ الْأَعْمَالِ الَّتِي حَقَّقَهَا، فَإِنَّ مُحَمَّدًاً الرَّجُلُ وَالْمُعَلِّمُ وَالْخَطِيبُ وَرَجُلُ الدَّوْلَةِ وَالْمُجَاهِدُ ؛ يَبْدُو لَنَا بِكُلِّ وُضُوحٍ وَاحِدًاً مِنْ أَقْدَرِ الرِّجَالِ فِي جَمِيعِ أَحْقَابِ التَّارِيخِ، لَقَدْ نَشَرَ دِينًاً هُوَ الْإِسْلَامُ، وَأَسَّسَ دَوْلَةً هِيَ الْخِلَافَةُ، وَوَضْعَ أَسَاسَ حَضَارَةٍ هِيَ الْحَضَارَةُ الْعَرَبِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، وَأَقَامَ أُمَّةً هِيَ الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةَ. وَهُوَ لَا يَزَالُ إِلَى الْيَوْمِ قُوَّةٌ حَيَّةٌ فَعَّالَةٌ فِي حَيَاةِ الْمَلَايِينِ مِنْ الْبَشَرِ.


وَأَخِيرًاً وَلَيْسَ آخِرًا ..


جُورْجْ حَنَا – الْإِسْلَامُ مَنْهَجُ حَيَاةِ- ، هَادِي الْمَدْرَسِيِّ، ص ٥٤.بِرْنَارْدْ شُو الْكَاتِبُ الْمَسْرَحِيُّ الْإِيِرْلَنْدِيُّ الشَّهِيرُ وَ الْحَاصِلُ عَلَى جَائِزَةِ نُوبِلْ فِي الْأَدَبِ (1925) ، يَقُولُ عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ “دَائِمًا مَا نَظَرْتُ لِدِينِ مُحَمَّدٍ بِتَقْدِيرٍ عَالٍ ،  لِحَيَوِيَّتِهِ الْمُدْهِشَةِ . لَقَدْ دَرَسْتُ أَمْرَ هَذَا الرَّجُلِ، فَوَجَدْتُهُ رَجُلٌ اسْتِثْنَائِي، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُسَمّى مُنْقِذَ الْبَشَرِيَّةِ ؛ أَنَا أَعْتَقِدُ لَوْ أَنَّهُ تَقَلَّدَ حُكْمَ الْعَالِمِ الْحَدِيثَ سَوْفَ يَنْجَحُ فِي حَلِّ مَشَاكِلِهِ بِأُسْلُوبٍ يَجْلِبُ السَّلَامَ وَالسَّعَادَةَ كَمَا يَنْبَغِي . لَا يُوجَدُ فِي التَّارِيخِ رَجُلٌ إِلَّا مُحَمَّدٌ كَانَ حَامِلَ رِسَالَةٍ ، وَ مَنْشِيءُ أَمَّةٍ ، وَمُوجِدُ دَوْلَةٍ … هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ قَدْ أَنْجَزَهَا مُحَمَّدٌ” .


إِتّفَقَتْ الْآرَاءُ عَلَى أَنّ مُحَمّدًا” كَانَ فِي الدّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ شَرَفِ النّفْسِ، وَكَانَ بِلَقّبٍ بِالْأَمِينِ أَيْ بِالرّجُلِ الثّقَةُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِلَى أَقْصَى دَرَجَةٍ، إِذْ كَانَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي الْإِسْتِقَامَةِ .


صَلَّىٰ الْإِلَٰهَ عَلَىٰ النَّبِيِّ الْهَادِي مَا سَارَ فِي الْأَرْجَاءِ صَوْتُ مُنَادِي مَا رَدَّدَ الْكَوْنُ الْفَسِيحَ -مُحَمَّدًا- حِينَ الْأَذَانِ عَلَا عَلَىٰ الْأَشْهَادِ صَلَّىٰ الْإِلْٰهُ عَلَىٰ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ  وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ خَيْرِ عِبَادٍ.


مَعَ غَفْلَةِ الْمُنْتَظَرِ إِذْ صَوْتٍ يَبُثُّ الطُّمَأْنِينَهُ وَيُشْعِرُكَ بِالْأَمَانِ وَتَرْتَاحُ النَّفْسُ مِنَ الدُّنْيَا وَمِنْ غَيِّهَا .


يَاحِي صَوْتُ الْأَذَانِ ، صَوْتُ الْأَذَانِ، تِلَاوَةُ الْقِرَّاءِنِ، الْأَذْكَارُ ، تَفَاصِيلُ تَمُدُّنَا بِالْأَمَانِ، تَجْعَلُنَا نَسْتَشْعِرُ النَّعِيمَ الَّذِي حَبَانَا اللَّهُ إِيَّاهُ؛ نَحْنُ الَّذِينَ مُنَحْنَا نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ عَزّ وَجَلّ دُونَ غَيْرِنَا فَالْحَمْدَلِلْهِ .


بِالْمُنَاسَبَةِ الْأَذَانُ سُمِّيَ النِّدَاءُ، لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُنَادِي النَّاسَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.


حيث يُعَدّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَحَبّ الْأَيَّامِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ حَيْثُ يُعَظّمُونَ هَذَا الْيَوْمَ بِالصَّلَاةِ، وَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالدُّعَاءِ، وَ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَىسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ التَّقَرُّبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ؛ لِيَنَالُوا الْأَجْرَ وَ الثَّوَابَ الْكَبِيرَ.


هَلْ تَأَمَّلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَقَّ التَّأَمُّلِ؟ يَسْتَيْقِظُ الْمُسْلِمُونَ صَبَاحًاً، يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمْ غُسْلَهُ؛ فَالْغُسْلُ فِيهِ سُنّةٌ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَقْرَؤُونَسُورَةَ الْكَهْفِ، وَ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، يَخْطُبُ فِيهِمْ الشَّيْخُ ، يَعِظُهُمْ وَ يُذَكِّرُهُمْ بِاَللَّهِ وَ يُزَوِّدُهُمْ بِزَادٍ إِيمَانِيّ لِلْأُسْبُوعِ الْقَادِمِ بَلْ وَيَزِيدُ، يُوَضّحُلَهُمْ الْحُدُودَ، وَ يُذَكِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ وَ الْآمَالِ إِلَيْهَا، وَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَ الْمُعَامَلَةِ الصَّالِحَةِ. 


هَذِهِ الْجُمُعَةَ تَحْدِيدًا أَلْقَى الْخَطِيبُ عَلَى مَسْمَعِنَا حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ ، جَعَلَ دُمُوعَنَا تَذْرِفُ شَوْقًا وَ حُبًّا لِرَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ : نَشَهِدُ اللَّهَ يَا حَبِيبَنَا عَلَى حُبِّكَ، نَشْهِدُهُ عَلَى حُبِّكَ مَا حَيِّينَا، وَلَأَنْتَ حَيَاتُنَا وَلَأَنْتَ الْأَغْلَى، مَا بَقِيَ لَنَا وَأَغْلَى مَا لَدَيْنَا، وَلَأَنْتَ وَاَللَّهِ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَرْوَاحِنَا الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْنَا، فَلَوْلَاكَ بَعْدَ اللَّهِ، مَا كُنَّا مِنْ أَصْحَابِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْهَدْيِ الْقَوِيمِ، وَلَوْلَاكَ مَا رَأَيْنَا نُورَ الْهِدَايَةِ.


الرَّسُولِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الرَّجُلُ الْوَحِيدُ فِي التَّارِيخِ ،الَّذِي نَجَحَ بِشَكْلٍ أَسْمَى وَأَبْرَزَ فِي كِلَا الْمُسْتَوَيَيْنِ: الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ، وَإِنَّ هَذَا الِاتِّحَادَ الْفَرِيدَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ لِلتَّأْثِيرِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ مَعًا يُخَوِّلُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ: أَعْظَمَ شَخْصِيَّةٍ أَثَّرَتْ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ.


هُنَاكَ مُحَمَّدُ النَّبِيِّ ، فَمِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ مَا أَطْلَعَ عَلَيْهِ مِنْ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلِيَّةِ وَإِخْبَارِهُ عَنْهَا وَوُقُوعِهَا وَفْقَ مَا أَخْبَرَ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَقَدْ أَضَافَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَالَ تَعَالَى: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبُ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ  (النَّمْلَ:65), وَقَالَ تَعَالَى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ  (الْأَنْعَامُ: مِنَ الْآيَةِ59) ..


وَالْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا  مَعَ عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ  لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ  تَعَالَى  عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَقْوَامِهِمْ: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ  (الْأَنْعَامُ:50).


وَكَمَا جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ  تَعَالَى  اخْتَصَّ بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَأَنَّهُ اسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، جَاءَتْ أَدِلَّةٌ أُخْرَى تُفِيدُ أَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَى مِنْ خَلْقِهِ مَنْ ارْتَضَاهُ مِنْ الرُّسُلِ، فَأَوْدَعَهُمْ مَا شَاءَ مِنْ غَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَهُ مُعْجِزَةً لَهُمْ وَدَلَالَةً صَادِقَةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ  (آلِ عِمْرَانَ: مِنْ الْآيَةِ179)


فَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي إِخْبَارِهِ بِمَا سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِخْبَارُهُ بِاسْتِشْهَادِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَأَنَّ أَسْرَعَ أَزْوَاجِهِ لُحُوقًا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَطْوَلُهُنَّ يَدًا، فَكَانَتْ زَيْنَبُ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  لِطُولِ يَدِهَا بِالصَّدَقَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  أَوَّلَ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ، فَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ ..


لَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي مُنَاسَبَاتٍ عَدِيدَةٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَتَنَوَّعَتْ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتُ بَيْنَ الْبِشَارَةِ بِاسْتِشْهَادِ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَسْمَائِهِمْ، وَهَلَاكِ بَعْضِ رُؤُوسِ الْكُفْرِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَمَاكِنِ قَتْلِهِمْ، وَالْإِخْبَارُ بِتَمْكِينِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَظُهُورِهَا عَلَى أَعْدَائِهَا، وَكَذَلِكَ التَّحْذِيرُ مِمَّا سَيَحْدُثُ فِي الْأُمَّةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ وَالْبُعْدِ عَنْ مَنْهَجِ اللَّهِ، وَالتَّنَبُّؤُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمَمَالِكِ وَالدُّوَلِ مِنْ بَعْدِهِ وَفَتْحِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا أَوْ الْوُصُولِ إِلَيْهَا إِلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ  عَزَّ وَجَلَّ  ، وَهُوَ مَا جَعَلَ إِخْبَارَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  عَنْهَا وَوُقُوعَ بَعْضِهَا فِي حَيَاتِهِ وَالْآخَرُ بَعْدَ مَمَاتِهِ إِلَى زَمَانِنَا، وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ، وَدَلِيلًا مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  (النَّجْمُ: 4:3) .


وَمِنْ ثَمَّ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  يَقُولُ :


وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ       إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعٌ


أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا              بِهِ مُوقِنَاتٍ أَنَّ مَا قَالَهُ وَاقِعٌ


مُحَمَّدُ الْمُحَارِبِ :


الشَّجَاعَةِ كَمَا عَرَفَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ: “هِيَ ثَبَاتُ الْقَلْبِ عِنْدَ النَّوَازِلِ”، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ


فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ ثَبَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِ الْآلَافِ مِنْ هَوَازِنَ، بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقَ عَنْهُ النَّاسُ خَوْفًا وَاضْطِرَابًا مِنْ الْكُمَّيْنِ الْمَفَاجِيءِ الَّذِي تَعَرَّضُوا لَهُ مِنْ هَوَازِنَ، وَيَصِفُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَوْقِفَ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ: (أَكُنْتُمْ وَلْيُتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: (أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخْفَاءَ مِنْ النَّاسِ وَحَسَرَ (مَنْ لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ) إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رَجُلٌ (قَطِيعٌ) مِنْ جَرَادٍ فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ:أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.


فَلَمْ يَفِرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَعْرَكَةٍ قَطُّ، وَمَا تَرَاجَعَ خُطْوَةً وَاحِدَةً حِينَ يَشْتَدُّ الْقِتَالُ ، تَقُومُ الْحَرْبُ وَتَشْرَعُ السُّيُوفَ، وَيَدُورُ كَأْسُ الْمَنَايَا عَلَى النُّفُوسِ، فَيَكُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْعَصِيبَةِ أَقْرَبُ أَصْحَابِهِ مِنْ الْخَطَرِ، لَا يَكْتَرِثُ بِعَدُوِّهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُ، وَلَا يَأْبَهُ بِالْخَصْمِ وَلَوْ قَوِيَ بَأْسُهُ.


مُحَمَّدُ رَجُلِ السِّيَاسَةِ :


لَقَدْ سَاهَمَتْ الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي تَقْوِيَةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ الْجَدِيدِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَبِتَحْقِيقِهَا ذَابَتْ الْعَصَبِيَّةُ وَحُظُوظِ النَّفْسِ، فَلَا وَلَاءَ إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَشَاعَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ عَوَاطِفَ وَمَشَاعِرُ الْحُبِّ، وَمَلَأَتْهُ بِأَرْوَعِ الْأَمْثِلَةِ مِنْ الْأُخُوَّةِ وَالْعَطَاءِ، وَالتَّنَاصُحِ وَالْإِيثَارِ، وَجَعَلَتْهُ جَسَدًا وَاحِدًا فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْآلَامِ وَالْآمَالِ، وَمِنْ هُنَا كَانَتْ حِكْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَعْلِ أَوَّلِ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ حِينَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةُ، – بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ – تَأْسِيسُهُ لِلْمُجْتَمَعِ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ، وَالَّتِي كَانَتْ حَلًّا لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَاكِلِ، وَأَهَّلَتْ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونُوا أَقْوَى أُمَّةٍ عَلَى الْأَرْضِ ، فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، فَقَالَ : ادْعُ لِي قَوْمَكَ ، قَالَ ثَابِتٌ : الْخَزْرَجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الْأَنْصَارُ كُلُّهَا !» فَدَعَا لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ وَإِنْزَالِهُمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَإِيثَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ ،وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ» . فَتَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَجَزَاهُمَا خَيْرًا ، فَقَالَا : «يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا» ، وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَزَاهُمْ خَيْرًا- : «رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ» .


مُحَمَّدُ الْمُصْلِحِ :


الِاخْتِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ أَمْرٌ وَاقِعٌ وَمِنْ سَجَايَا الْبَشَرِ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَخْلَاقِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ، وَلِتَنَافُسِهِمْ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا مِنْ الْمَالِ وَالشَّرَفِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ(هُودٌ :118)


فَفِي قِصَّةِ اخْتِصَامِ أَبِي لُبَابَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  وَيَتِيمٍ فِي نَخْلَةٍ ، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لِأَبِي لُبَابَةَ بِالنَّخْلَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَهُ ، لَكِنَّهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمَّا رَأَى الْغُلَامُ الْيَتِيمَ يَبْكِي ، قَالَ لِأَبِي لُبَابَةَ : (أَعْطِهِ نَخْلَتَكَ ، فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ أَعْطِهِ إِيَّاهَا وَلَكَ عَذَقٌ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : لَا ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ لِأَبِي لُبَابَةَ : أَتَبِيعُ عَذْقَكَ ذَلِكَ بِحَدِيقَتِي هَذِهِ ؟ ، فَقَالَ نَعَمْ .


ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَقَالَ : النَّخْلَةُ الَّتِي سَأَلْتُ لِلْيَتِيمِ أَنْ أَعْطَيْتُهُ أَلِي بِهَا عَذَقَ فِي الْجَنَّةِ ؟! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  نَعَمْ . ثُمَّ قُتَلَ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ شَهِيدًا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : رَبَّ عِذْقٍ مُذَلَّلٌ لِابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فِي الْجَنَّةِ ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ .


مُحَمَّدٌ مَلَاذِ الْيَتَامَى :


فَرَابِطَةُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تُوجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ مِنْهُمْ مُسَاعَدَةَ الْمُعْسِرِ، وَأَيُّ عُسْرٍ أَعْظَمُ مِنْ الْيُتْمِ ، فَالْيْتُمُّ مُظْهِرٌ وَاضِحٌ لِلضَّعْفِ ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْمَعُونَةِ وَالرِّفْقِ وَالرِّعَايَةِ .


وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْ أَوَائِلِ الَّذِينَ لَمَسُوا آلَامَ الْيَتِيمِ وَأَحْزَانَهُ .


وَلَمَّا مَاتَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  تَعَهَّدَ الرَّسُولُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَوْلَادَهُ وَأَخَذَهُمْ مَعَهُ إِلَى بَيْتِهِ ، فَلَمَّا ذَكَرَتْ أُمُّهُمْ مَنْ يُتِمُّهُمْ وَحَاجَتُهُمْ ، قَالَ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : ( تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ .


حَامَى الْعَبِيدِ :


وَقَدْ تَجَلَّتْ مَظَاهِرُ رَحْمَتِهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِالْخَدَمِ وَالْعَبِيدِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ حُقُوقًا، وَأَمَرَ بِالرِّفْقِ بِهِمْ، بَلْ وَحَثَّ عَلَى تَحْرِيرِ الْعَبِيدِ مِنْ رِقِّهِمْ .وَحَذَّرَ النَّبِيُّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْ ضَرْبِ الْعَبْدِ أَوْ إِيذَائِهِ، فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ: ( كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ : لِلَّهِ أَقْدِرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتْ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ . فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحْتْكَ النَّارَ أَوْ لَمَسْتَكَ النَّارِ ) ( مُسْلِمٍ ) .


مُحَمَّدٌ مُحَرِّرِ النِّسَاءِ :


يُؤْمِنُ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ حُقُوقَهَا بَعْدَ أَنْ عَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ) مِنْ ضَيَاعِ أَهَمِّ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِهَا وَهُوَ الْحَقُّ فِي الْحَيَاةِ. يَتَّفِقُ عُلَمَاءُ الدِّينِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ عَلَى أَنَّهُ فِي بِدَايَةِ الْإِسْلَامِ وَتَحْدِيدًا فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ السَّادِسِ الْمِيلَادِيِّ، وَسَّعَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ لِتَشْمَلَ حَقَّ الْمِيرَاثِ وَالتَّمَلُّكَ وَالزَّوَاجَ وَالنَّفَقَةَ وَحُقُوقًا أُخْرَى. كَمَا نَهَى النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِسَاءَةِ لِلنِّسَاءِ وَأَمَرَ بِمُعَامَلَتِهِنَّ بِالْحُسْنَى وَالرَّحْمَةِ فَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:


«اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ، فَاعْقِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ قَوْلِي». وَفِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ، كَمَا يُذْكُرُ التَّارِيخُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدٌ ﷺ وَقَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَكَانَ مَرِيضًا بِشِدَّةٍ وَأَلْقَى آخِرَ خُطْبَةٍ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ وَأَوْصَى بِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اللَّهُ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ، اللَّهُ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ». بِمَعْنَى أَسْتَحْلِفُكُمْ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ أَنْ تُحَافِظُوا عَلَى الصَّلَاةِ، وَظَلَّ يُرَدِّدُهَا إِلَى أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».


مُحَمَّدُ الْقَاضِي:


وَمِنْ الْأَهْدَافِ الْأَسَاسِيَّةِ لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ، وَإِقْرَارُ الْعَدَالَةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ الرَّسُولُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَمُبَاشَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمْرِ النَّاسِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، هَذِهِ الطَّاعَةُ الَّتِي تَتَجَلَّى فِي قَبُولِ أَحْكَامِهِ وَالتَّسْلِيمِ بِهَا،وَقَدْ بَاشَرَ الرَّسُولُ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ وَاسْتَمَدَّ أُصُولَ قَضَائِهِ مِنْ الْكِتَابِ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)(الْمَائِدَةُ : 49) وَبِقَوْلِهِ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) (الْمَائِدَةُ:44)


كَمَا اعْتَمَدَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَلَهُ مَجْمُوعَةٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْأَسَاسِيَّةِ فِي مَجَالِ الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ: (الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ). وَقَوْلُهُ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ كَلَامَ الْأَوَّلِ).


فَقَدْ عَيَّنَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَاضِيًا عَلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءً؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ: قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو، قَالَ مُعَاذٌ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَدْرِي وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفْقَ رَسُولُ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) .


كُلُّ هَذِهِ الْأَدْوَارِ الرَّائِعَةِ فِي كُلِّ دُرُوبِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ تُؤَهِّلُهُ لِأَنْ يَكُونَ بَطَلًاً”


أَشْرَفُ الْخَلْقِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٍ ﷺهُوَ الْقُدْوَةُ الْعُلْيَا لَنَا وَالْمَعْنَى الْأَسْمَى لِكُلِّ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ ، وَالصّفَاتُ النَّبِيلَةُ ، هُوَ الْهَادِي الْبَشِيرُ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَكُونَ شَاهِدًا وَنَذِيرًا وَمُبَشّرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ، وَسِرَاجًاً مُنِيرًاً .


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ .


ثُمَّ تَابَعَ الْخَطِيبُ قَائِلًا صَلُّوا عَلَى رَسُولِنَا الْكَرِيمِ ، وَأَقِمْ الصَّلَاةَ أَخِي الْمُسْلِمِ .


وَ مَا أَنِ انْتَهَيْنَا مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى صَافَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ جَمِيعًاً بَعْدَ أَنْ أَشْغَلَتْهُمْ الْحَيَاةُ بِأَعْمَالِهِمْ ، انْصَرَفْنَا إِلَى بُيُوتِنَا .


 يَلْتَقُونَ بِالْعَائِلَةِ كَامِلَةً عَلَى مَائِدَةٍ تَجْمَعُهُمْ بِالْخَيْرِ، وَعَلَى الْخَيْرِ، يَتَنَاقَشُونَ فِي أُمُورِهِمْ، إِنّهُ يَوْمٌ بِالْأُسْبُوعِ كُلِّهِ بَرَكَةٌ وَنُورٌ وَسَعَادَةٌ.


جُمَعَتُكُمْ طَيِّبَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لَكُمْ مَنَارَةً لِدُرُوبِكُمْ وَعِيدًا سَعِيدًا لِأُسْبُوعِكُمْ وَكُلِّ أَيَّامِكُمْ ، وَوَفْقَكُمْ لِجَنْيِ ثِمَارِهَا وَحُسْنِ اسْتِغْلَالِهَا تَقَبُّلَهَا مِنَّا وَمِنْكُمْ وَأَعَادَهَا عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ بِالْيَمَنِ وَالْبَرَكَاتِ وَكُلِّ جُمُعَةٍ وَأَنْتُمْ إِلَى اللَّهِ أَقْرَبُ.



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.