26 Aug
أوراقُ الحياةِ مكشوفة


 أوراقُ الحياةِ مكشوفة


هبة أحمد الحجاج

ذاتُ مرةٍ شعرتُ أنه يجبُ علي أن أحرك جسدي قليلاً ، فأنا منذُ فترةٍ ليستْ بالقليلة حُجرت في المنزل ، وعندما وقفتُ أمام المرآه، صُعقت !! لاأُخفيكم كان منظري سمينًا قليلاً ، سأُواسي نفسي وأقولُ قليلاً هههههه ، قررتُ المشي و التجولَ في الشوراعِ و الطرقات ، وبالفعلِ خرجت ،وأنا أمشي وأشعرُ بأنني أصبحتُ كالعداءِ الذي يمتلكُ الطاقةَ والحيوية المفعمة وإذ أرى أوراقًا بيضاء مُلقاةً على الأرض ، لا أُخفيكم انتابنيالفضول حتى أقرأ ما كُتب عليها ، أمسكتُ بأولِ ورقة كُتب عليها 


” الرزق “. 


تذكرتُ مثلًا أمي كانت دائماً تُردِده على مسمعي


“لو جريت جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش “، لن تحصلَ إلا على ماقد كتبهُ اللهُ لك من الرزق ، فلا تشقى ولا تُتعب نفسكَ ولا تجهد جسدكطالما أن رزقكَ بيدِ المولى عزّ وجل ، فترى الإنسان لا يكتفي بجري الوحوشِ فقط بل يُصبح يُصارع مثلهم أيضاً ، قد يضرب هذا ، ويُحاولإبعاد تلك ، وفي بعضِ الأحيان ممكن أن يدوسَ على الآخرين ويقفزَ على أكتافِهم ، ظناً منه أنه سيحصلُ بذلك على أموالٍ طائلة ،وسيصبحالمليارديرَ الشهير ، كم مُحزنٌ ذلك و مثيرٌ للشفقةِ أيضاً ، ألم يتذكر قول الله تعالى : (( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )). [الزخرف، 32]


وقول الرسول الكريم ” إنَّ الرِّزقَ لَيطلبُ العبدَ أكثرُ مما يطلبُه أجلُه” 


الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع. 


أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَهبمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ.


تذكر دائماً أيها الإنسان :


“المالُ جزءٌ من الرزق، ولكن هناك رزق الصحة، ورزقُ الولد، ورزق الطعام، ورزقٌ في البركة، وكل نعمةٍ من الله سبحانهُ وتعالى هي رزقٌ وليسالمالُ وحده” . 


وضعتُ الورقةَ التي كُتِب عليها ” الرزق” على الكرسي الخشبي في الحديقة ، لعلها تَكونُ رسالةً لغيري كما كانتْ لي ، وإذ أشعرُ بورقةٍ غطتْعلى عيناي ، أصبحتُ لا أرى الطريق وكأن غيمةً سوداء ارتطمت بي، أمسكتُ بها وإذا هي ورقةٌ مكتوبٌ عليها


” الموت ” لا أُخفيكم فقد شعرتُ بالخوفِ والجزعِ قليلاً ، لأنها كلمةٌ غيرُ مُحبَذةٍ لدينا ، ونهربُ منه وكأننا نُبعِدُهُ عنا وكأننا مُخلَدين . 


مرةً من المرات قرأتُ قصةً “وأذكر لفظ القصةِ كما هي في كتاب الزهد للإمام أحمد :حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، وَعَنْحَمْزَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ:«دَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى سُلَيْمَانَ عليه السلام فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ؛ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَالرَّجُلُ: مَنْ هَذَا؟قَالَ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيَّ كَأَنَّهُ يُرِيدُنِي!قَالَ: فَمَا تُرِيدُ؟قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَنِي الرِّيحُ، فَتُلْقِيَنِي بِالْهِنْدِ!قَالَ:فَدَعَا بِالرِّيحِ، فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا، فَأَلْقَتْهُ بِالْهِنْدِ.ثُمَّ أَتَى مَلَكُ الْمَوْتِ سُلَيْمَانَ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِي؟ قَالَ: كُنْتُأَعْجَبَ مِنْهُ؛ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَهُ بِالْهِنْدِ، وَهُوَ عِنْدَكَ» 1/41″.


وقوله تعالى ” أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ”[النساء، 78]


وتفسيرُ هذه الآية العظيمة ” يقول: لا تجزعوا من الموت، ولا تهربوا من القتال، وتضعفوا عن لقاء عدوكم، حذرًا على أنفسكم من القتل والموت،فإن الموت بإزائكم أين كنتم، وواصلٌ إلى أنفسكم حيث كنتم، ولو تحصَّنتم منه بالحصون المنيعة”.


لا بدَّ من موتٍ ففكرْ واعتبرْ.. وأنظرْ أنفسِكَ وأنتبهْ. 


انتظر لحظة أرى ورقةً معلقةً على الجدار مكتوبٌ عليها


” القدر ” وهو ركن من أركان الإيمان ” الإيمان بالقضاء والقدر”، ومعناه “هو: تقدير الله عزّ وجلّ للأشياء في القِدم، وعلمهُ أنّها ستقع فيأوقاتٍ معلومة وعلى صفات مخصوصة، وكتابته ومشيئته لها، ووقوعها على حسب ما قدّرها وخلقها”.


الكثيرُ منا يعتَرضُ على قدره، مثلاً ” لماذا يحصلُ معي هذا أنا بالذات لماذا لم يحصل لذلك الشخص ، لماذا أمرضُ أنا وهو لا ، لماذا قدري أنأعيش بكذا وألبس كذا وأركب كذا و تلك تفعل كذا وتأكل كذا وتلبس كذا” . 


ارض بقضاءِ الله على ما كان من عسرٍ ويسر؛ فإن ذلك أقل لهمّك، وأبلغُ فيما تطلب من آخرتك، واعلم أنّ العبد لن يصيب حقيقةَ الرضا حتىيكون رضاه عند الفقر، والبؤس كرضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك ثمّ تسخط إن رأيت قضاءهُ مخالفاً لهواك؟ ولعل ماهويتَ من ذلك لو وُفّق لك لكان فيه هلكتك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك؟ وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك ما أنصفتمن نفسك، ولا أصبت باب الرضا.


وفي المقابل تذكر أيضاً “الإيمان بالقدر لا يقول لك: نم، وانتظر قدرك بل يقول: قم اكتشف قدرك”. 


هل أنت غير سعيد أو غير مرتاح؟ إنّ الحياة يا صديقي كالفِراش، إذا أحسستَ أنّه غير مريح، فخيرَ ما تفعلهُ هو أن تنهض وتعيد ترتيبه. 


أوراقُ الحياةِ مكشوفةٌ لنا لكننا لم نفهمها.




تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.